مقالات

إلى أين تتجه الأوضاع فى مثلث إريتريا – تغراى- إثيوبيا؟ ١_ ٢ بقلم/ الدبلوماسي السابق حمد محمد سعيد كلُّ

15-Nov-2020

عدوليس

قيادات هذا المثلث عبر التاريخ كان همها وما يزال دائماً السيطرة بالتآمر والقوة على مقاليد الحكم، ولا يهم الضحايا، فهم دائماً يتصارعون للانفراد بالحكم، إنهم لا يعرفون النقاش ولم تطرق الديمقراطية أبوابهم، ولا يصرفون وقتهم للبحث عن الحلول التى تؤدي إلى السلام والأمن والاستقرار. حكام يطلبون الطاعة وتنفيذ أوامرهم وتعليماتهم.. وإلا. الإمبراطور هيلي سيلاسي حكم الشعب حكماً مذلاً، وجعلت منه الكنيسة الأرثوذكسية شيئاً مقدساً وسُجِد له .

ها نحن الآن نسمع أن آبي أحمد يقول لبعض جلسائه من الأجانب إنه جاء إلى الحكم فى إثيوبيا مبعوثاً من العناية الإلهية لإنقاذ الشعب الإثيوبي. رجل بهذا المفهوم ماذا تنتظر منه؟ إنه يريد أن يطيعه الجميع، ويرى أنه بالتحالف مع المتغطرس حاكم إريتريا يمكن أن يحسما الأوضاع معاً فى فترة قصيرة. هذه الحرب إن طال أمدها فلا آبي أحمد ولا حاكم إريتريا يستطيع الصمود أمامها.
قديماً كان الإمبراطور قد صمد أمام ضربات جبهة التحرير الإريترية نتيجة للدعم الأمريكي والغربي السخي، والمعلومات توضح أن أمريكا كانت تقدم دعماً لإثيوبيا يساوي نصف ما كانت تقدمه لإفريقيا ثم توقف ذلك مع مجيء العسكر، وتولى السوفييت الإنفاق ومعهم أوروبا الشرقيه على الجيش الإثيوبي، ثم أتت البيروسترويكا والجلاسنوسيت فتوقف الدعم، ومع الضربات القوية للثوار انهار الجيش الإثيوبي. إدارة ترامب أوقفت الدعم لإثيوبيا وهو 135 مليون دولار، وحتى لو أعادته إدارة بايدن فلن يغطي نفقات الحرب إن طال أمدها.
هناك مخاطر أخرى يواجهها آبي أحمد ونظامه، فالرجل على خلاف مع مصر والسودان حول موضوع سد النهضة وتصريحات وزير خارجيته المتغطرس، هل يتوقع أن يظل البلدان فى موقف المتفرج وآبي أحمد يرفض الوصول إلى حلول مرضية لكل الأطراف؟
الأوضاع داخل إثيوبيا نفسها غير مستقرة، انفجارات فى أديس أبابا، وهناك حالة من عدم الرضى وسط قومية الأرومو، وإذا زلزلت الأوضاع فى إثيوبيا نتيجة لطول الحرب فإن قوميات الصومال والعفر وإقليم ولايتا سيبحثون عن حلول لأوضاعهم، وإذا طال أمد الحرب فسيواجه الاقتصاد الإثيوبي الذي ما يزال فى طور النماء مخاطر كبيرة، أما حسم الحرب بصورة سريعة فستجعل أحمد يتربع على عرش إثيوبيا طويلاً، لكن عليه أن يفهم ما معنى امتلاء المستشفيات بالجرحى مستشفى بحر دار على سبيل الحصر، والفضيحة الكبرى أم نقول المأساة (!) فى مطار مقلي حيث تمت إبادة 300 من الكوماندو نصفهم من الاريتريين. يا آبى أحمد الحرب ليست نزهة! أنا لم أرَ أو أسمع عن سياسيين فى القرن الإفريقي أغبى ممّا رأيته فى قيادة (الوياني تغراي)، هؤلاء الأغبياء كم سنحت لهم الظروف وخدمتهم الأوضاع، فإثيوبيا بكاملها أصبحت تحت إدارتهم، أقاموا حكماً فيدرالياً، وأجازوا الدستور، لكنهم حكموا إثيوبيا بعقلية (تغراي الكبرى) ولذلك أضافوا بعض الأراضي إلى إقليم تغراي خاصة في منطقة الحمرا، وما زال عقلهم الباطن يحول بينهم وبين رؤية الأمور الواقعية، ما يزالون يحلمون بتغراي الكبرى، ويحق لهم إذا حلموا بها بشكلها الحالي، لكنهم حلموا وتمادوا فى حلمهم وأنكروا الاتفاق الدولى القانونى الحدودي الذى تم بين إيطاليا ومنيليك وأقرته المنظمة الدولية التي كانت قبل الحرب العالمية الثانية، إنهم يحلمون أن إقاليم (أكلو قوزاى وسرايى والبحر الأحمر حتى حدود مصوع) الإريترية تابعة لإقليم تغراي، وتنكروا لقرار المحكمة الدولية الخاص بمنطقة (بادمي)، ونسوا أو تناسوا أن قيام الثورة الإريترية هو الذي أخرجهم من جبروت الإمبراطور هيلى سلاسى وطغيان منجستو هيلى ماريام.
أيها الأغبياء كانت لكم فرص ضيعتموها، كانت المعارضة الإريترية معكم فى أديس أبابا، كان يمكن حسم الديكتاتور وتأمين منطقة شمال تغراى، بعد كل هذا وضياع 13 عاماً وجعلتم المعارضة تتسولكم فى أديس أبابا، بعد كل هذا الآن تناشدون الاريتريين؟!!! وأود من قلبي أن لا يرى شعب تغراي مكروهاً لكني أقول لقياداتهم: “فاتك الدرس يا غبي”.
بعض من سيرة آبي أحمد النوبلي:
1- اتضح أنه لا يستحق جائزة نوبل.
2- رفض التفاوض وتسبب حتى الآن في مقتل المئات ونزوح الآلاف.
3- تسببت المعارك الدائرة بين الجيش الفيدرالي ومليشيا إقليم الأمهرا من جانب والوحدات الخاصة ومليشيا إقليم تغراي من جانب آخر، تسببت حتى الآن في مقتل المئات من الجانبين. وتسببت أعمال العنف ضد منتمين للتغراي في مدن وبلدات إثيوبيا مثل غوندار والمتمة إلى هروب الآلاف منهم إلى السودان بعد أن تعرضوا لأعمال عنف ونهب من منتمين لقومية الأمهرا.هناك خطر كبير أن تنزلق إريتريا إلى هذه الحرب حيث يؤيد ديكتاتورها أسياس حليفه آبي أحمد، بل غالباً هو شريك له في التخطيط لخوض هذه الحرب. سيتحجج الديكتاتور، إذا دخل الحرب، بالسعي لاسترداد بادمي، وهذه حجة لن تكون مقبولة من الكثير من الإريتريين فبادمي حُكم بها لصالح إريتريا، ووافقت إثيوبيا أمام شهود من المجتمع الدولي على هذا الحكم بتوقيعها على ما عُرف باتفاقية السلام في سبتمبر 2018 في جدة. لذا ليس هناك داعٍ لخوض حرب يخسر فيها الشعب الإريتري المزيد من شبابه وموارده المالية، ويضع فيها وحدة بلاده أمام خطر التفتت. المشاركة في هذا الاقتتال الإثيوبي الداخلي، إذا تمت، ستكون لأسباب شخصية تتعلق برغبة الديكتاتور في تصفية حساباته مع الجبهة الشعبية لتحرير تغراي وليس لأمر يتعلق بمصلحة الشعب الإريتري .
رفض آبي أحمد حتى الآن الاستماع لدعوات التفاوض من الإيقاد والأمم المتحدة وقوى دولية أخرى، بينما طلبت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تغراي الوساطة في رسالة بعثت بها إلى الاتحاد الإفريقي. واستمر آبي أحمد في تصوير المعركة الحالية للعالم بأنها عملية محدودة تهدف إلى جلب بعض الأشخاص إلى العدالة، لكن من الواضح لأي مراقب أن الاقتتال الحالي سيهدد استقرار ووحدة إثيوبيا، وسيتسبب في مقتل الآلاف وفي عمليات تطهير عرقي وتشريد ولجوء واسعة، كما سيتهدد استقرار الإقليم كله وقد ظهرت بوادر كل ذلك بعد أقل من أسبوع من بدء الاقتتال.
تتراجع صورة آبي أحمد التي اجتهد لرسمها لنفسه باعتباره رجل سلام ونصيراً للديمقراطية لصالح صورة أخرى عمل على رسمها لنفسه في الداخل متشبهاً فيها بأباطرة إثيوبيا (التوحيد القسري للقوميات الإثيوبية وإخضاعها للسلطة المركزية من خلال استخدام العنف المطلق)، وإذا نجح آبي أحمد في ترسيخ الصورة الثانية لنفسه في الداخل فهو حتماً سيخسر الصورة الأولى التي جعلته يبدو صانعاً للسلام، فصانع السلام لا يشعل حرباً.
المسألة لا تتعلق بمن أخطأ إنما بكيفية معالجة المشكلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى