أخبار

كتاب جديد للدكتور محجوب الباشا :الأخوة الأعداء …الحرب الإريترية – الإثيوبية*

10-Apr-2010

المركز

عرض:ياسين محمد عبد الله
صدر حديثاً كتاب للسفير الدكتور محجوب الباشا عن النزاع الإريتري- الإثيوبي بعنوان : الإخوة الأعداء ، الحرب الإرترية- الإثيوبية ( 1998- 2000) وقد دفعني لاستعراض الكتاب الانعكاسات المستمرة للنزاع موضوع الكتاب على أوضاع البلدين والإقليم، الموضوعية والعمق والدقة التي تناول بها الكاتب النزاع،

وأخيراً للفت انتباه الباحثين في شؤون الإقليم لواحد من أهم المراجع في مجال اهتمامهم. لم يخل الكتاب من أخطاء وهي في أغلبها طباعية خصوصاً تلك التي المتعلقة ببعض التواريخ. الكتاب من الحجم المتوسط ويحتوي على 220 صفحة وناشره هو المركز العالمي للدراسات الإفريقية. قسم الكتاب إلى عناوين رئيسة وأخرى فرعية فجاء في مقدمة وخمسة عناوين رئيسة وسبعة عشر عنواناً فرعياً وتذييل ثم ملاحق ومراجع. أشار المؤلف في مقدمة الكتاب إلى علاقته الشخصية بأحد طرفي النزاع ( إريتريا) حيث قضى شطراً من طفولته وصباه في مدينة كسلا وتعرف هناك على الثورة الإريترية وارتبط مثل غيره من مواطنيها بأحداثها. وقُدر للمؤلف أن يعايش أحداثاً إريترية أخرى عندما عمل سفيراً لبلاده في أسمرا التي جاءها أثناء الجولة الثالثة من الحرب الإريترية – الإثيوبية في عام 2000 فكان أن أُتيح له أن يكون مراقباً لصيقا لمسار وأحداث تلك الجولة وآثارها، ثم شاهداً على دور قوات حفظ السلام بعد توصل البلدين لاتفاقية السلام في ديسمبر 2000. يغطي الكتاب فترة عشرة أعوام من النزاع ( 1998- 2008) بأحداثها المختلفة من خلفية النزاع ومساراته إلى اتفاقية السلام وقرار المفوضة الدولية للحدود ومفوضية التعويضات وصولاً إلى إنهاء مجلس الأمن لتفويض البعثة الدولية في البلدين دون أن تنجز البعثة مهمتها في ترسيم الحدود. وتعرض الكاتب في تذييله للكتاب لبعض الأحداث التي جرت بعد عام نهاية 2008 وتركت آثارها على مسار النزاع.التاريخ المشترك:تناول المؤلف تحت هذا العنوان التاريخ المشترك بين إقليم تقراي في إثيوبيا وأقاليم أكلي قوزاي، سراي وحماسين في إريتريا حيث ظل إقليم تقراي في إثيوبيا والأقاليم الإريترية المشار إليها؛ حتى بعد انهيار مملكة أكسوم في القرن التاسع عشر وانقسامها إلى عدة ممالك، يمثلان وحدة سياسية واحدة. وذكر المؤلف أن خطاب فصائل الثورة الإريترية الذي كان يتحدث عن حقيقة استقلال إريتريا، بما في ذلك المرتفعات الإريترية، عن بقية أقاليم إثيوبيا منذ مئات السنين قد لا يتطابق مع حقائق التاريخ. وتناول دور الروابط العرقية والتاريخية بين المرتفعات الإريترية وإقليم تقراي في تغليب القيادات السياسية في المرتفعات الإريترية، أبان مرحلة تقرير المصير لإريتريا، لخيار الوحدة مع إثيوبيا. كما تناول تحت هذا العنوان دور الروابط المشار إليها في توثيق التحالف بين قيادتي الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا والجبهة الشعبية لتحرير التقراي وفي تعزيز نضالهما المشترك ضد نظام منغستو دون أن يغفل المشاكل الكثيرة التي اعترضت علاقات التنظيمين والتي وصلت أحيانا إلى حد القطيعة التامة في عقد الثمانينات.حرب الأشقاء:وتحت هذا العنوان تناول المؤلف أسباب الحرب التي اندلعت بين البلدين في عام 1998 واعتبر أن العديد من العوامل تضافرت لتقود إليها. وبعد الإشارة للاتفاق الاقتصادي بينهما إثر سقوط نظام الدرغ في 1991 والبروتكولات التي توصلا إليها في عام 1993، يتوصل المؤلف إلى أن الخلاف الاقتصادي هو أحد أهم أسباب الحرب بين البلدين. وقد استعرض موقف الطرفين وكيف أن أي منهما حمل الآخر أسباب هذا الخلاف. واعتبر المؤلف إصدار إريتريا لعملتها ( النقفة) بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. أما السبب المباشر لاندلاع القتال بين البلدين فهو خلافهما الحدودي. وتناول الكاتب تحت هذا العنوان أيضاً المساعي التي بذلتها القيادتان لمحاصرة أسباب التوتر بينهما لكن مساعيهما لم تفض إلى نتيجة حيث ذهبا إلى الحرب بعد دخول قوات إريترية إلى منطقة بادمي في 12/5/1998 رداً ،كما تقول إريتريا، على إطلاق النار على لجنود لها ومقتل بعضهم.استمرت الحرب بين البلدين ثلاثة أعوام اندلعت خلالها ثلاث جولات من القتال. في الجولة الأولى حققت إريتريا نصراً كبيراً على إثيوبيا حيث سيطرت على المنطقة موضوع النزاع. وبدأت الجولة الثانية من الحرب في السادس من فبراير 1999 بهجوم إثيوبي كبير على كل الجبهات مع التركيز على المنطقة المتنازع عليها في القطاع الغربي. وقد تمكنت القوات الإثيوبية في هذه الجولة من استرداد المنطقة التي خسرتها في الجولة الأولى من الحرب.واندلعت الجولة الثالثة من القتال في مايو 2000 واستمرت حتى يوينو وكانت الأطول والأكثر عنفا.ً وقد تحولت الحرب في هذه الجولة من حرب حدودية إلى حرب شاملة. تمكنت القوات الإثيوبية في الأسبوع الأول من هذه الجولة من احتلال بلدة بارنتو الواقع في القطاع الغربي من إريتريا ثم استولت على بلدتي تسني وعلي قدر. وتم إخلاء المدنيين من عدد آخر من البلدات والقرى، وبدا أن القوات الإثيوبية تتقدم نحو العاصمة الإريترية، أسمرا. وحسب ما أعلن المسؤولون الإثيوبيون فإن استراتيجية إثيوبيا في هذه الجولة كانت ترمي إلى قصم ظهر القوات الإريترية بحيث لا تشكل تهديداً لهم أو لغيرهم في المستقبل بينما قال الإريتريون أن الهدف الإثيوبي كان إعادة احتلال إريتريا. وتناول هذا الجزء من الكتاب الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للحرب على البلدين حيث يقول المؤلف إنها كانت مدمرة ؛ خصوصاً وأن الحرب اندلعت في وقت كانت المنطقة تعاني فيه من الجفاف. وبما أن الحرب دارت على الأراضي الإريترية فإن هذه الآثار كانت أكثر قسوة على الشعب الإريتري؛ حيث أدت الحرب إلى نزوح مليون إريتري داخل البلاد ولجوء 90 ألفا إلى السودان. كما عطلت الحرب عودة اللاجئين الإرتريين من السودان. واعتبر المؤلف أن الترحيل القسري للإرتريين من إثيوبيا كان من أقسى آثار هذه الحرب. وسياسياً أدت الحرب إلى انشقاق في كل من الحزبين الحاكمين في إريتريا وإثيوبيا؛ حيث بدأت الخلافات بتذمر بعض القيادات في الحزبين من أسلوب إدارة الحرب. في إثيوبيا انتهى الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بترك الأول لمنصبه وتم فصل 12 من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الحاكم بينما أفضى الخلاف في إريتريا إلى إقالة الرجل الثاني في النظام في فبراير 2001 واعتقال 11 من قيادات الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة. وبسبب عدم نجاح أي من الجناحين المتمردين في مساعيه فلم يحدث تعديل يذكر على سياسة أي من الحزبين.وعانت إريتريا، حسب المؤلف، من الآثار الاقتصادية للحرب أكثر من إثيوبيا فقد تراجعت نسبة نمو دخلها القومي من 7.9% في عام 1997 إلى سالب 8.2% في عام 2000. ثم تزايدت مشاكل الاقتصاد الإريتري في السنوات التالية بسبب وجود مئات الآلاف من الشباب في الجبهة بعد أن تم سحبهم من مواقع الإنتاج.البحث عن السلام:تحت هذا العنوان بحث المؤلف في جهود الوساطات الإقليمية والدولية لإنهاء النزاع بين الدولتين. كان أول الوسطاء هو الرئيس الجيبوتي حسن جوليد الذي تمتلك بلاده حدوداً مشتركة مع الدولتين والتي كانت تترأس منظمة الإيغاد التي تضمهما. في بداية الحرب كان الموقف الإثيوبي ينحصر في نقطتين هما ضرورة الانسحاب الإريتري من منطقة بادمي التي استولت عليها إريتريا في 12/5/1998 ، وإعادة الإدارة المدنية الإثيوبية للمنطقة. بينما أصدرت الحكومة الإريترية بياناً حددت فيه موقفها في ثلاث نقاط هي: الاعتراف بالحدود الاستعمارية والالتزام بها، وضع العلامات الفاصلة على الحدود، و نزاع شامل للسلاح على طول الحدود. ثم برزت الوساطة الأمريكية – الرواندية والتي أصدرت عدد من التوصيات تصلح كأفكار للحل. وافقت إثيوبيا على مقترحات المبادرة وتحفظت عليها إريتريا. وبعد وصول هذه المبادرة إلى طريق مسدود انتقل الدور إلى منظمة الوحدة الإفريقية حيث ولدت المبادرة الإفريقية للوساطة في مؤتمر القمة الإفريقية الذي عقد في أوغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في يونيو 1998. ومع أن مبادرة الوساطة أطلق عليها اسم المبادرة الإفريقية الإ أن المبعوث الأمريكي انتوني ليك لعب دوراً كبيراً في تليين مواقف الطرفين كما شارك في جهود الوساطة مبعوث للاتحاد الأوربي وآخر للأمم المتحدة. وعند انتقال رئاسة منظمة الوحدة الإفريقية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في يوليو 1999 أخذت جهود الوساطة الإفريقية دفعة قوية وقد يعين بوتفليقة السيد أحمد أويحي مبعوثا خاصاً له. لم يبد مجلس الدولي اهتماما يذكر بالأزمة في بداياتها فاكتفى بإصدار بيان يطالب فيه البلدين بنبذ العنف والوقف الفوري لإطلاق النار ثم أصدر بياناً آخر في يناير 1999 أيد فيه جهود الوساطة الإفريقية ثم بيان ثالث بعد اندلاع الجولة الثانية من القتال في فبراير1999 أدان فيه لجوء الدولتين للحول العسكرية ودعا فيه الدول الأعضاء بالامتناع عن بيع السلاح للدولتين. وقد أدت الوساطة إلى توقيع الدولتين اتفاق لوقف الأعمال العدائية بينهما في يونيو 2000 ثم اتفاق للسلام في ديسمبر 2000 في الجزائر. وقد وقع على اتفاق السلام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراءالإثيوبي ملس زيناوي بحضور الرئيس الجزائري وممثلين للمجتمع الدولي.السلام القلق:تحت هذا العنوان تناول المؤلف مرحلة ما بعد التوصل إلى اتفاق السلام . تم تأسيس منطقة أمنية عازلة وفقاً للاتفاق سميت بـ( المنطقة الأمنية الموقتة) . وشكل مجلس الأمن بعثة دولية لمراقبة عملية السلام بين البلدين ولتسهيل ترسيم الحدود بينهما. كان أول خلاف بين البلدين بسبب تحديد المناطق التي كانت تحت سيطرة كل منهما وكان هذا الخلاف وغيره من الخلافات تنقاش في منبر سمي اللجنة العسكرية المشتركة. واجهت بعثة السلام الدولية الكثير من المصاعب في أداء عملها وقد قرر مجلس الأمن الدولي بقراره رقم 1827 بتاريخ الثلاثين من يوليو 2008 إنهاء تفويض بعثته للسلام دون أن تنهي البعثة المهمة التي أنشئت من أجلها.الحدود أم الوجود؟: تحت هذا العنوان تناول المؤلف عمل لجنة الحدود الدولية التي أُوكل إليها البت قانونياً في دعاوى الطرفين بخصوص خط الحدود بينهما. بدأت اللجنة عملها في 25 مارس 2001 وأصدرت قرارها النهائي في الثالث عشر من أبريل 2002. ومع أن اللجنة لم تشر صراحة لموقع قرية بادمي موضوع النزاع بين الطرفين في نص قرارها إلا أنه اتضح لاحقاً أن القرية حكم بها لصالح إريتريا. ومع الحكم بها لصالحها الإ أن لجنة التعويضات حملت إريتريا المسؤولية عن بدء القتال حول بادمي وطلبت منها دفع تعويضات لإثيوبيا لشن هذا الهجوم. وضعت إثيوبيا بعض العراقيل أمام عمل اللجنة مثل عدم دفعها مساهاماتها المالية في ميزانية اللجنة وسحبها ضباط الاتصال. ولم ينجح مجلس الأمن في ممارسة الضغوط على إثيوبيا، حسب المؤلف، لتنفيذ قرار لجنة الحدود. وقد أجاز البرلمان الإثيوبي في نوفمبر 2004 مبادرة تقدم بها رئيس الوزراء الإثيوبي حول ترسيم الحدود احتوت على خمس نقاط لكن إريتريا رفضت هذه المبادرة ولم تنجح أي جهود أخرى في تسهيل عملية ترسيم الحدود بين البلدين .الآثار الإقليمية للحرب:تحت هذا العنوان تناول المؤلف الآثار التي خلفها النزاع الإريتري على دول الإقليم. يقول المؤلف أن إريتريا قامت بتجميد عضويتها في منظمة الإيغاد في عام 2007 بعد أن اتهمت المنظمة بالفشل في مهمتها في تحقيق السلام في منطقة القرن الإفريقي. وبسبب نزاعها مع إثيوبيا طورت إريتريا علاقاتها مع المعارضة الإثيوبية وتحالفت أيضا مع الحركات الصومالية المعادية لإثيوبيا. ومن جانبها سعت الحكومة الإثيوبية لاحتضان حركات المعارضة الإريترية واستقطاب الدعم لها من دول أخرى في الإقليم. واستقبلت الحكومة الإريترية في عام 2006 زعماء المحاكم الإسلامية في الصومال بعد هزيمتهم أمام القوات الإثيوبية. ويعتقد المؤلف أن الصومال شهد أهم انعكاسات هذا النزاع، وأن حرب البلدين كان لها أيضاً انعكاسات على السودان ولا يتفق مع وجهة النظر التي تقول أنه ليس من مصلحة السودان حل المشكلة بين البلدين. ويشير المؤلف إلى الانعكاس السلبي للحرب على علاقات إريتريا مع جارتها جيبوتي كما لم يغفل تأثيرات الحرب على دول أخرى مثل اليمن وكينيا وغيرها. تذييل: تحت هذا العنوان تناول المؤلف التطورات المتعلقة بالنزاع بعد نهاية 2008. ظلت جبهة القتال بين البلدين هادئة منذ انسحاب قوات حفظ السلام لكن الجبهة الثانية ظلت مشتعلة( اعتبر المؤلف الصومال بمثابة جبهة قتال ثانية بين الدولتين) وقد صار الوضع في الصومال موضوع توتر آخر في علاقات إريتريا مع المنظمات الدولية والإقليمية؛ خصوصاً بعد أن طلب كل من الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على إريتريا بسبب دورها في الصومال. ويعتقد المؤلف أن الصومال سيظل في المستقبل المنظور ساحة للصراع بين إريتريا وإثيوبيا حتى يتمكن الصوماليون أنفسهم من تجاوز محنتهم.الملاحق والمراجع: أرفق المؤلف 5 ملاحق هي النص الإنجليزي لاتفاقية الجزائر للسلام، النص الإنجليزي لاتفاقية وقف العدائيات، النص الإنجليزي لقرار مجلس الأمن 1312 والخاص بإنشاء بعثة السلام الدولية في البلدين، النص الإنجليزي لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1827 والخاص بإنهاء تفويض بعثة السلام الدولية في البلدين، وأخيراً قائمة بحجم وجنسيات أفراد بعثة السلام الدولية. وأورد المؤلف كذلك قائمة بالمراجع العربية والإنجليزية التي استند إليها في عمله. * ياسين محمد عبد الله نشر هذا الاستعراض في صحيفة إيلاف السودانية بتاريخ 7/4/2010

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى