مقالات

الأنامل الحبلى بالأفكار تتعجل .. ويمضي أبو أسامة إلى ربه : محمود عثمان إيلوس

26-Jun-2009

المركز

ظلت فكرة الدكتوراه حول المناهج التربوية ناضجة في ذهنية الأخ العزيز صالح على صالح ، وبقيت تلك الحقيبة المحتوية على كامل الكتب و المراجع الأساسية والخطة الأولية إلى جانبي بمركز دراسات القرن الإفريقي ، عهدة وأمانة للتذكير في الشروع في كتابة الرسالة في ذلك التخصص الدقيق والمهم جدا لإرتريا الوليدة ذات الأبعاد الثقافية المتجاذبة وربما المتصارعة .

و الحديث عن دكتوراه الأخ الحبيب إلى النفوس صالح لم تكن لمجرد الألقاب في سلم التعليم ، لكنه حديث عن القدرات والإمكانات التي كان يمتلكها ذلك الممسك بأضابير الرسم والبيان، والصفات البحثية والتحقيق المحيط بالاطلاع ، علما وميدانا، صاحب القلم الذهبي ، والتجربة والممارسة في محك عملي، في إطار مدارس جهاز التعليم الإرتري، إشرافا تربويا وتدريسا وإدارة . إذن لم تأت الفكرة في حد ذاتها إلا استجابة للتجربة ورغبة في خدمة ذلك المجال الحيوي، ممثلا في التربية والتعليم . والأمل الآخر الذي تمنيت لو أن صاحب الذاكرة القوية تمكن من رسم تاريخ التجربة الإسلامية في إرتريا، ممثلة في الحركة الإسلامية ،وهو، ركن أساسي في صناعة تلك التجربة ، ولا ينتابني شك في أنه كان يمتلك ما بين السطور في سيرة الحركة الإسلامية بكل أطيافها المذهبية والفكرية والسياسية ، أفرادا وأحداثا ، تقدما وتراجعا. كما لا ينتابني شك في عدله وحياده في سرد الأحداث . ولعل أصحابه وأصدقاءه والعارفين – وهم كثر- ظلوا يلحون عليه في الشروع في نقل جميله الحاضر في سجل المستقبل كتابا مقروء . لم تتحقق هذه الطموحات في كثير من جوانبها لأسباب ربما جزأ منها يتعلق بظروف صحية ، إلا أن الجزء الأكبر منها كان يتعلق بتعلق الأستاذ صالح بالهم العام قولا وعملا وشرود ذهنه في إسعاد الآخرين،ثم جاء الأجل بغتة فعجلت تلك الأنامل الحبلى بالأفكار إلي ربها قبل أن ترتسم ،وبقيت هذه السيرة الطيبة عطاء بلا حدود . إنه لفراق أليم .. يا صالحلم أفجع في سابقات حياتي قط – رغم ما فيها من مرارات- بمثل ما فجعت في قراءة نبأ وفاة الأخ أبي أسامه ، فقد فوجئت بصفحات الانترنيت وهي تحمل النبأ، فكانت لحظات مرة ، وموقفا في غاية الصعوبة ، لكن الصبر الجميل. إنه لفراق جد أليم، لكنه قدر الله المحتوم الذي لا مفر منه، وإرادة الله النافذة ، التي لا سبيل ولا مفر إلا بالخضوع والاستسلام لها. إنه لنبأ جلل… لكن الصبر الجميل. فقدك الإسلاميون أم الأمة كلها:يحق لي أن أقول إن صالح علي صالح، فقد كبير لكل إرتريا ، و بصفة خاصة فقد كبير للمسلمين في إرتريا، لما كان يحمله من بديع التواصل وبحث سنن التلاقي ، لا التفرق والشتات . ثم هو فقد كبير جدا للحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية ، لما تميز به من مشاركة فكرية وسياسية في تجربة الحركة الإسلامية الإرترية ، وترسيخها على أرض الواقع . بل هو فقد للطلاب الإرتريين في السودان ، لما تميزت به تلك الروح الطاهرة من سنة التواصل صعودا ونزولا مع الطلاب في داخلياتهم وأماكن تجمعاتهم ، وفي ملتقياتهم الثقافية والاجتماعية ، وأمسياتهم ، محاضرا أو ضيفا عزيزا يزين ساحاتهم ويشاركهم مهرجانات تخرجهم ومناقشات أطروحاتهم في الدراسات العليا . لا أكون قد ابتعدت عن الحقيقية إذا قلت أن ليس هناك مناقشة مفتوحة لرسالة علمية لطالب إرتري في الخرطوم إلا وصالح أحد الحضور في تلك الجلسة يلوح بالتشجيع ، لمساندة الطالب الممتحن لنيل درجته العلمية ، وكان أبو أسامة كثير التباهي بمثل تلك الجلسات لما فيها من مخرجات طيبة لمستقبل وطنه . ثم من منا لا يذكر صالحا وهو ناصح البياض مظهرا وجوهرا بعمامته البيضاء ، وهو يتوسط الناس في شتى مناسباتهم ، يخاطبهم ويحثهم على الإكثار من الخير ، يشاركهم ، دون تمييز, أفراحهم وأتراحهم، وهو ، كما كان حاله مع الطلاب ، ليست هناك مناسبة إرترية عامة إلا ويصر على المشاركة والحضور فيها. إنه هكذا فطر بصدق على حب وإسعاد الناس ، فحبه الناس بصدق .من إلى من ينعي أبا أسامة؟ إنك إن تنعي صالحا، فلا تذهب إلى مجالس المناصب القيادية، بل اذهب إلى ساحات التربية والإصلاح، وفي قاعات المحاضرات وفصول تربية الناشئ علما وأخلاقا . وان شئت اذهب إلى مدارج البحث والتحقيق والتحليل السياسي لتنعي إنسانا لماحا موهوبا محيطا بمعطيات السياسية؛ لكنه يفر من تقدم صفوفها القيادية. وقل ما شئت عن تلك الصفات ومميزات الرجال الايجابية التي تجمعت في شخص صالح على صالح، فهو خلاصة الرجال .لقد اكتملت مراحل الرحيل وغاب النجم ، وسكنت النفس الطاهرة بين يدي ربها ، وعظم الفراق ، وحزنت الأنفس ،وحق لها ، وان القلب ليحزن و إن العين لتدمع وإنا على فراقك يا صالح لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، إنا لله وإنا إليه راجعون. أعزي فيك أمتك ومجتمعك الكبير وأحبابك في الحزب الإسلامي ، وأخوتك وأحبائك في كل مكان، وأعزي فيك فارسك البكر أسامه وكل أفراد أسرتك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى