مقالات

اسياس وأنور خوجا هل التاريخ يعيد نفسه .. ! بقلم/ يوسف بوليسي

17-May-2015

عدوليس ـ ملبورن – بالتعاون مع إذاعة المنتدى

بالعودة قليلا الى القرن الماضي وتصفح ما سطرته سجلات التاريخ، يجد المرء في السياسات التي اتبعتها الديكتاتوريات آنذاك لسلب حقوق شعوبها وتمسيخ كياناتها وتدمير قيمها، مادة دسمة لا تكاد تفرغ من سوء احداها الا وتجد الاخرى اكثر سوءا منها. وعند المقارنة بينها وما تعانيه اليوم الكثير من الشعوب من وطأة الديكتاتورية في بلدانها، نجد ان التاريخ يعيد نفسه بنفس تلك التفاصيل كما هو الحال في اريتريا وكوريا الشمالية والسودان وان اختلفت مستويات قمع الحريات من بلد لاخر من حيث التحسن الذي يطرأ هنا وهناك او السوء الذي يضاعف الغلة هنا وهناك.

تصفح اساطير السياسات القمعية للديكتاتوريات في القرن الماضي، تقودنا بالضرورة للغوص بين اغوار الكارثة التي يسطرها الطاغية اسياس افورقي في اريتريا منذ استقلال البلاد بعد ملحمة بطولية قادها شعبنا ضد الاحتلال الاثيوبي لينتعم بنسائم الحرية والعدالة والديمقراطية التي لا زالت بعيدة المنال حتى الآن.لا يغفل المرء عند الحديث عن الديكتاتوريات في القرن الماضي، التطرق للتجربة الالبانية في الحكم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولمدة اربعين عاما التي ذاق فيها الشعب الالباني مرارة الحكم التسلطي والقمعي ابان حكم الديكتاتور انور خوجة. ولكن من هو الرفيق انور خوجا وماذا فعل؟ولد أنور خوجة في السادس عشر من اكتوبر عام الف وتسعمائة وثمانية ميلادية لأسرة ميسورة في جنوب ألبانيا. درس أنور خوجه في فرنسا ابتداء من الثلاثينات من القرن العشرين حيث تعرف على الأفكار الماركسية ثم درس في بروكسل وعمل أيضا في السلك الدبلوماسي. وحين عاد إلى بلده عمل مدرسا للغة الفرنسية في مدرسته السابقة ولكنه فصل من العمل بسبب تهمة الشيوعية وأضطر لفتح محل لبيع التبغ. تميزت فترة حكمه التي استمرت لاربعين عاماً بالقضاء على المعارضين ، وكان انور خوجة يتبع الماركسية – اللينينية وعرف بعداءه للتحريفية كما كان يطلق عليها في الاتحاد السوفيتي والصين لاحقا بعد انفتاح الاخيرة على الغرب.يشترك رفيقنا خوجة مع الرفيق اسياس في الجنون والعظمة والانا وان كان خوجة اكثر اقناعا بحكم الخلفية التعليمية واعتماده على الحزب الشيوعي العمالي الالباني في اصدار القرارات وخلق مؤسسات تدعم نظام حكمه كان يشار لها بالبنان في حكم البلاد، عكس صاحبنا في اريتريا الذي يتميز حكمه بالفردية والمزاجية. كان خوجة ديكتاتور من الأساطير ومرجع لتلاميذ الديكتاتورية الجدد يتعلموا منه أصول الصنعة. بما إنه كان ديكتاتور ذكي، قرر إن يركز على التعليم وخفض نسبة الأمية التي كانت متفشية في البلد حيث كان خمسة وثمانون في المائة من السكان أميين سنة 1946، ورفع عدد الطلاب في المدارس من أقل من سبعين ألف في بداية حكمه لأكتر من سبعمائة ألف في نهاية حكمه.عندما نردد صباحا ومساءا انتهاج نظام الطاغية في اريتريا لسياسة العسكرة وتجويع الناس وحل الازمات بخلق ازمات اشدة وطأة منها، لا نذكر انها نسخة طبق الاصل للسياسات التي اتبعها معلما الديكتاتوريات في البانيا انو خوجة والصين ماو تنسونج. ولكي يسهل علينا فهم الترابط والانسجام بين انور واسياس اليكم ببعض ما قام به خوجة ومحاولة مقارنتها مع ما نعيشه في اريتريا في ظل حكم الطغيان الاسياسوي.انور خوجة زعيم جمهورية ألبانيا الشعبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى موته في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كان الأمين العام الأول للحزب الشيوعي العمالي الألباني. شغل أيضا منصب رئيس الوزراء منذ عام الف وتسعمائة واربعة واربعين حتى الف وتسعمائة وخمسة واربعين ومنصب وزير الخارجية منذ الف تسعمائة وستة واربعين حتى الف وتسعمائة وثلاثة وخمسين كما كان قائدا عاما للجيش الالباني، وهي المناصب التي يشغلها اسياس منذ اربعين عاما قبل التحرير وبعده، الفرق الوحيد بينهما هو ان انور كان يشغل هذه المناصب بتفويض رسمي من الحزب الحاكم والبرلمان الالباني، بينما ينزع اسياس الى فرض نفسه دون تفويض لا من الحزب الذي غُيب منذ اعلان تأسيسه في بداية تسعينيات القرن الماضي ولا من البرلمان الصوري الذي اسسه عقب ذلك ومات دون اعلان وفاته منذ عشرون عاما.بني انور خوجة في احدى ابهي تجليات عبقريته سبعمائة وخمسون الف تبة او متراس يتحصن فيها جندي واحد كان هدفها حماية البلاد من الغزو الخارجي وصارت الآن معالم على عهد الديكتاتورية … لكن الرجل كان ظلاميًا، منع تعليم اللغات الأجنبية والمسرح والسينما، وسيطر على الإعلام، فأشاع خرافة أن أوربا تريد احتلاله، والظاهر أنه صدق الخرافة، فأخذ يحفر الخنادق، لا المصانع والمكتبات والمدارس، ولم يعد أمام النخبة المثقفة إلا الهجرة.. في المقابل حول اسياس بلادنا خلال اربعة وعشرين عاما من الاستقلال الى سجن كبير لا يخرج منه المرء الا ليجد قساوة الغربة والاغتراب من صحاري تحتويه رمالها دون رحمة وبحار تبتلع جسده الهزيل دون رأفة، بعد ان انهكت ابناء الوطن الحروب العبثية التي شنها اسياس هنا وهناك وحصدت عشرات الالاف منهم.في عام اربعة وخمسون بعد الالف وتسعمائة، قام انور خوجة بعد تشكيل حكومته الجديدة، بإعدام ستمائة من قادة المجتمع واعتقل الالاف وحول الاف غيرهم لعبيد في المزارع الجماعية. وهو ما فعله اسياس بعد التحرير حيث اختفي الالاف من المناضلين واكتظت السجون بألاف المعتقلين وقام بإعدامات طالت المئات من رفاق الامس، وزج الشباب في برامج السخرة والعبودية بمسميات مختلفة تارة بإسم الخدمة الوطنية مفتوح الاجل، او بدواعي النفير الجماعي العبثي وبني مئات السجون تحت وفوق الارض وربما بين السماء والارض وشتت شمل الاسر وفرق بين ابناء الوطن واستولى على كل مقدرات البلاد. وانفرد بالسلطة ونصب نفسه اله على العباد يفرض عليهم الركوع والسجود له صباح مساء، فضلا عن تدميره للمؤسسات والنهج المؤسساتي بصورة متعمدة . الفرق بين انور خوجة واسياس افورقي هو ان الاول كان من ديكتاتوريات الزمن السحيق، زمن ستالين وماو وكيم ايل سونج وتشاوتشيسكو وهلي سلاسى، بينما صاحبنا جاء في زمن الحريات والتطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية الهائلة التي تجتاح العالم، وفي عصر بدأت فيه تنحصر الديكتاتوريات وتبحث فيه الشعوب عن مكانها بين الامم حيث اصبح التقدم والتطور ومواكبة متغيرات العصر والتعاطي مع معطياته رافدا مهما في بلوغ الاهداف. ما تبقي ما بين خوجة واسياس قواسم مشتركة، ان لم تجدها في الاول ستجدها في صنيعه في هذا الزمان.. الا ان الغضب اندلع بين الالبان بعد رحيل الديكتاتور بثمانية أعوام، حيث كان الفقر أحكم بقبضته على الشعب الجاهل، وكان غضبا بربريًا حيث حطم الجوعى حينئذٍ كل تماثيل خوجه، فما من صناعة أو زراعة أو علماء أو مفكرين، ما من شىء إلا أربعة أنواع من الخنادق، تحت مستوى سطح الأرض، وفوق الأرض، ونصف سطحية، ومتعرجة لها دهاليز للهروب. ونحن على اعتاب الذكرى الرابعة والعشرين من الاستقلال لا زلنا نئن من وطأة الكوارث التي تلاحقنا منذ بداية الاستقلال اخرها كان غرق المئات من ابنائنا في عرض المتوسط وانتظار الالاف منهم لادوارهم على الشوطئ الليبية، بل صارت رؤوس ابنائنا مهددة بالقطع على يد ما يسمى بداعش، كل هذا، والنظام يعد العدة لحفلات العهر والمجون على اجساد اولئك الابرياء .. الا يحق لنا نحن الارتريين اسنتنهاض الهمم واقتلاع اسباب شقائنا ؟ الا نضع حدا لكل المواجع التي نعاني منها؟ بلى… اليوم نبدأ بزرع بذرة الحرية في شوارع مدننا ليس بالاشتراك في حفلات الطاغية وزبانيته، بل بإعلان غضبنا … وليكن هذا الغضب عارما يقتلع الديكتاتورية … فلنبدأ اليوم.. اجل اليوم نعلنها ثورة على الظلم والقمع والتسلط والطغيان.ولك المجد يا شعبي يا قاهر الظلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى