أخبار

أديس وأسمرا.. رحلة البحث عن أدوار جديدة -تقرير: ماجد محمد علي

7-Sep-2011

المركز

المصدر:صحيفة الصحافة
وضع الصراع الدائر فى النيل الازرق دول الجوار الاقليمي في عنق الزجاجة وبالتحديد اثيوبيا التي لعبت ادواراً مؤثرة فى الوساطة بين الخرطوم وعقار تارة، وبين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تارة اخرى كما حدث فى اديس ابابا التي اثمرت عن الاتفاق الاطاري الذي يتمسك به عقار وقطاع الشمال ككل،

وكذلك الحال بالنسبة لارتريا ايضا التي تتشابك ملفاتها مع الخرطوم منذ ايام استضافتها لقوى التجمع الوطني الديمقراطي مرورا بوساطاتها الخاصة بدارفور وحتى تحالفاتها مع الحركة الشعبية ومن بعد دولة جنوب السودان.الموقف الاثيوبي الآن بعد تفجر الاحداث موصوف من قبل المراقبين بالحرج لجهة ان المواجهات تدور على مقربة من حدودها بين اصدقاء لا تستطيع ان تنحاز لاحدهم على حساب الآخر لاسباب مختلفة. وهذا ماقد يبرر الزيارة التي قام بها مدير المخابرات السوداني الى اديس في الأول من أمس، والتي حملت معها تأكيدات رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زناوي على جدية البشير فى احلال السلام فى السودان، وتنديد زناوي بالاطراف التي تسعى لاشعال فتيل الازمة بولاية النيل الازرق باعتبار انه لاتوجد مبررات تسوغ العودة الى مربع الحرب من جديد، خاصة مع المبادرة التي قدمتها اثيوبيا لحل النزاع. وابلاغ الموفد الامني السوداني زناوي ترحيب الرئيس وحكومته بمبادرة الاخير لحل الازمة فى جنوب كردفان والنيل الازرق. ويرى الكاتب والمحلل السياسي جمال همد ان اثيوبيا لعبت الدور الاساسي فى المفاوضات بين الحكومة والحركة التي اثمرت اتفاقهما الاخير فى اديس ابابا، كما انها لم تكتف بذلك بعد انهيار الاتفاق فقد سعت لمزيد من التقارب بين عقار والخرطوم، واصطحب زناوي الرجل الى الخرطوم لاذابة الجليد بين الطرفين، لذا من الطبيعي ان تكون غير راضية عن ماحدث وان يكون موقفها فى غاية الحرج بعد انفجار الاحداث. ويشير همد الى ان مصلحة اثيوبيا كبلد تقتضي ايقاف هذه الحرب لانها ستؤثر عليها حتما، كما ان زناوي شخصيا كان يرغب فى لعب دور اساسي وايجابي فى ارساء علاقة مستقرة بين الخرطوم وعقار على وجه التحديد.ولكن كيف سيكون الموقف الاثيوبي حال استمرار الحرب ووضعها فى موقف الاختيار بين الصديقين فى الشمال والجنوب،هل ستختار التورط ودعم عقار لضمان انتصاره او حتى بقائه على قيد الحياة لضمان السيطرة على حدودها مع السودان، ام انها ستظل على الحياد المستحيل فى الحرائق التي تشتعل على حدودها.هنا يؤكد المحلل السياسي همد ان اثيوبيا لن تتورط على الاطلاق مهما تطور الصراع فى دعم عقار او الانحياز للحركة الشعبية لاسباب مختلفة لكن جمال يورد ان السبب الاهم فى نظره وهو ضمان سلامة قواتها فى ابيي، اضافة الى علمها المسبق بنتائج هذا الصراع.ويدعم الرجل ما يقوله باشارته الى ان اديس ترغب فى لعب ادوار اقليمية منفردة لحسابها الخاص وهذا ماقد يتعارض مع مصالح امريكا فى المنطقة، وقد تكون امريكا غير راضيه عن دورها الآن فى السودان، وهذا الامر لايخفى مع ردود الافعال المتواترة من واشنطون. ولكن ماقد يفسر الزيارة المفاجئة بالامس لوزير الخارجية الارتري عثمان صالح محمد،والتي اعلن من اسمرا انها بغرض التوسط لانهاء القتال الدائر بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال بولايتي «النيل الازرق»و»جنوب كردفان». ومن المعلوم ان اثيوبيا ظلت تضطلع بالدور الاهم فى هذا الملف الحساس للسودان،فهل تصب الجهود الاريترية فى اطار السباق الاقليمي على لعب الادوار المؤثرة مع غريمتها اثيوبيا التي بادرت من قبل بجهود وجدت التقدير كما بدا من تصريحات البشير حين قال للصحافيين إن زناوي حريص على أمن وسلامة السودان. لا يستبعد المحلل السياسي جمال همد ان تكون الزيارة والمبادرة الاريترية بالتوسط فى هذا الاطار التنافسي بين الجارين اللدودين، ويشرح ان اسمرا لا يسرها دخول اديس بقوة فى الملفات السودانية المهمة، غير انه يشير الى ان الزيارة قد تكون ايضا لتقديم تطمينات الى الخرطوم بانها بعيدة تماما عن ماحدث فى النيل الازرق، وتقديم انفسهم كوسطاء فى جنوب كردفان ودارفور على الخصوص.ويرى المحلل السياسي ان اسمرا غير راضية عن تواجد القوات الاثيوبية فى ابيي وتود ان يكون هذا التواجد باي شكل من الاشكال تحت صفيح ساخن، لذلك يتوقع ان تكون متورطه فى النيل الازرق، ويقول ان اسمرا سعت في الفترة الماضية لاعادة صياغة العلاقات بين قطاع الشمال والمجموعات المسلحة فى دارفور،مرجعا ذلك لانسحاب الدور الاريتري لصالح الاثيوبي، وابعادها عن ملفات السودان طوال الاعوام الماضية. ويشير جمال همد الى ان إريتريا بعد سقوط حليفيها في القاهرة وطرابلس تبحث عن حلفاء جدد في المنطقة،وتأتي زيارة الرئيس اسياس ليوغندا كبداية لرحلة البحث هذه ،وان الحركة المكوكية لوفود إريترية لجوبا عاصمة دولة الجنوب إلا تنفيذا و» تربيطا « لهذه السياسة الجديدة . ويزعم همد ان أسمرا وكمبالا سوف تقودان حلفا جديدا في مواجهة الخرطوم وأديس ابابا،وللعاصمتين أسباب ليس بالضرورة متطابقة .فاسمرا لا تنظر بعين الارتياح لتمدد الدور الإثيوبي في أكثر الملفات السودانية سخونة، وخاصة وجود أكثر من أربعة آلاف جندي إثيوبي و ما يتبع ذلك من وجود،وهذا ما يقلق حكومة أسمرا التي تسعى للملمة الوجود المسلح الدارفوري ومجموعات مسلحة أخرى بعضها في شرق السودان،لإعادة خلط الأوراق وخلق وقائع جديدة على الأرض، ودفع الدور الإثيوبي للتراجع،وعلى أقل تقدير وضع الجندي الإثيوبي على صفيح ساخن في أبيي وجنوب دارفور.ويلفت همد الى ان أديس أبابا تسجل اختراقا حقيقيا في الملف السوداني مما يجعل أسمرا أكثر الخاسرين في المنطقة خاصة في غياب مبارك والقذافي وهدوء جبهة إنجامينا الخرطوم. ويشير جمال الى ان جوبا قد استقبلت على مدى الاسابيع الماضية وفودا إريترية رفيعة المستوى، وان أسمرا استقبلت فى المقابل وفدا رفيع من الحركة الشعبية برئاسة دينق ألور وياسر عرمان.واوضح ان زيارات الوفد الإريتري رفيع المستوى كانت برئاسة عبد الله جابر القيادي البارز بالحزب الحاكم في اسمرا وعضوية الجنرال تخلي منجوس قائد حرس الحدود، وعدد من ضباط الإستخبارات العسكرية ووكالة الأمن الوطني،وابان ان الزيارة قد بحثت العلاقات بين الحركة الشعبية قطاع الشمال وتنظيمات معارضة شمالية ومن بينها تنظيمات من شرق السودان .واشار الى ان هذه الزيارات الماكوكية بين أسمرا وجوبا جرت قبيل زيارة الرئيس الإريتري للعاصمة اليوغندية كمبالا في الشهر الماضي والتي استمرت ثلاثة أيام.ورأى همد ان هذه التحركات ربما تسفر عن تحالفات جديدة قد تؤدي الى خلط الأوراق من جديد فى المنطقة. ولكن زيناوي نفسه اتهم اريتريا فى حوار مع «الحياة» اللندنية بمحاولة زعزعة جنوب السودان، وقال انها تساند ميليشيا القائد الجنوبي المنشق الجنرال جورج أتور ضد حكومة الجنوب، واتهمت جوبا الخرطوم مرارا وتكرارا بدعمه وتسليحه. وتتنوع الاتهامات الاثيوبية لاريتريا فى اطار العداء المتبادل فقد اضاف زناوي أن اريتريا ظلت فاعلة في زعزعة استقرار الصومال وإثيوبيا وجيبوتي واليمن، وفي شمال السودان ساندت متمردي دارفور. اذا الاتهامات بدعم متمردي دارفور ليست بجديدة، ولكن الجديد اتهامات همد لاسمرا بدعم عقار الذي تقع خطوط امداده داخل الاراضي الاثيوبية، وتتحرك طائراته عبر اجوائها.وهو اتهام لم يخطر ببال الخرطوم نفسها التي يرى مراقبون انها تنظر بعين من الريبة لاثيوبيا لان عقار يستخدم اسلحة ثقيلة قدمتها هى الى جوبا التي مررتها بدورها الى الفريق عقار.على ان التصريحات المتبادلة بين المسئولين فى الخرطوم واديس على دفئها، قد لاتعكس حقيقة العلاقة بين العاصمتين، فقد ووجه قرار انتشار القوات الاثيوبية الكثيفة فى ابيي تحت الفصل السابع، بمخاوف فى اوساط الحزب الحاكم فى الخرطوم لاسباب متعددة فى مقدمتها ان القوات ترتدي القبعات الزرق،وتعمل تحت امرة مجلس الامن.مما يعني ان بمقدور الامم المتحدة توجيهها لاداء اي مهام اخرى وان كانت داخل حدود المنطقة.فيما شكك البعض فى حيادها تجاه نزاع الخرطوم وجوبا حول السيادة فى ابيي لجهة علاقات اثيوبيا الوثيقة مع امريكا، وادائها للدور الابرز فى السياسيات الامريكية فى افريقيا، علاوة على صداقتها مع اسرائيل.وكشفت وثيقة سربها موقع ويكليكس ان زناوي اخبر الادارة الامريكية في بداية العام(2009) ان اسقاط البشير السناريو المثالي بالنسبة لواشنطون.وتورد الوثيقة التي تحوى مناقشات تفصيلية بين رئيس الوزراء الاثيوبي ومسؤول امريكي يدعى فيل كارتر بجانب مدير برامج السودان بوزارة الخارجية الامريكية تيم شورتلى، تورد ان ملس قال للامريكان:»لو كنت الولايات المتحدة لاتخذت احد خيارين اولهما ازالة نظام البشير». كما كشف ذات الموقع عن مخاوف اثيوبية بشأن معلومات متداولة بشأن اجتماعات بين جهاز المخابرات والامن الوطني مع ضباط وافراد من جبهة تحرير الاورومو وقادة حزب الشعب الثوري المعارض،وهو ما يكشف عن وجوه مغايرة للعلاقات بين البلدين.وكان سفيرنا السابق في اديس ابابا قد حذر من السماح باستمرار المساعي الاريترية لتقويض الاستقرار في اثيوبيا عبر السودان، واوضح عثمان السيد لـ« الصحافة » ان اسمرا تقوم بتهريب مجموعات من جبهة تحرير الارومو والجبهة الوطنية لتحرير الاوغادين وحركة تحرير الشباب الصومالية، من اثيوبيا لتدريبهم فى اريتريا مرورا بالحدود السودانية. وبين السيد ان رحلة هذه المجموعات تنتهي في معسكرات التدريب في ساوا بالمنخفضات الاريترية، ومن ثم يتم الدفع بهم الى السودان لتقوم المخابرات الاريترية بتهريبهم، الى الكرمك السودانية فالكرمك الاثيوبية وصولا لاقليم الارومو « بني شنقول». ومضى عثمان السيد حينها ليشير الى ان كل اجهزة المخابرات في المنطقة تعلم بهذا الامر، بما فيها جهاز المخابرات السوداني. وابدى السفير السابق قلقه من استغلال اريتريا للاراضي السودانية واعتبره امرا غير مقبول بالمرة ، لان سياسة السودان بحسب السيد قائمة على حسن الجوار مع الجميع، ولا يجب ان تستغل اراضيه في عمليات تستهدف ايا من دول هذا الجوار، وطالب السفير السيد اجهزة الامن السودانية بالحيلولة دون دخول مثل هذه المجموعات،حتى لا يتعرض امن واستقرار المنطقة برمتها الى الخطر. وبطبيعة الحال ستكون لهذه الحرب ظلالها على العلاقات بين السودان والعاصمتين الافريقتين، فقد يعمد كلاهما الى استخدامها لتحقيق مكاسب على حساب علاقات الخرطوم مع الطرف الآخر، كما قد يتبين من زيارة وزير الخارجية الاريتري الى الخرطوم الآن. الا ان الامر الذي لا جدال بشأنه ان كل دول الجوار تعلم ان الصراع الجديد فى النيل الازرق قد نشب والخرطوم تواجه بظروف دولية غير مريحة، وبمصاعب اقتصادية خلفها الانفصال،فضلا عن انقسامات وطنية حول كيفية معالجة ملفات المناطق الثلاث المأزومة، ومعالجة ازمات البلاد الاخرى الموضوعة على ارفف الانتظار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى