مقالات

الديمقراطية التى يجب أن تكون :آدم الحاج موسى

24-Aug-2010

المركز

شاركنا فى أغسطس الجارى فى واحدة من أكبر المناسبات الوطنية ، سعياً لتحقيق حوار وطني بناء يهدف الى خلق مناخ سياسى وإجتماعى يتحقق من خلاله أهداف أمتنا الرامية نحو التغيير الديمقراطى فى البلاد ، تحقيقاً لرغباتها المتطلعة دائما للسلام والتنمية من خلال نظام يقوم على مبدأ وقيم العدل والمساواة والديمقراطية والسلام تأكيداً لامنها واستقرارها ، وعلى الانفتاح المتوازن مع محيطها والعالم تحقيقاً لرفاهيتها وكرامتها الانسانية .

لذلك نعتقد جازمين أنه لا جدوى من رفع لافتات وشعارات الإيمان بالديمقراطية مالم يقترن ذلك بخطوات عملية تؤكد جدية السعى لتفعيل هذه المطالب على أرض الواقع من خلال خطوات عملية لإثبات قدرة التنظيمات وجميع القوى والنخب السياسية والفكرية على أن تقدم نفسها بصورة جيدة كنموذج يحتذى بها فى الفهم والإدراك لمعنى وغاية الديمقراطية ، إن أكبر الضمانات لتطورنا الديمقراطى تكمن فى تفعيل الحياة الديمقراطية فى الشارع السياسى الاريترى لتأكيد قيم الحرية والتعددية والحوار والمنافسة حتى لا تنتكس يوماً مسيرة الديمقراطية ونخسر ما حققناه .ولو أن التنظيمات السياسية أعادة بناء هياكلها لأمكننا فى النهاية أن نواجه معاً مشكلة السلبية والعزوف عن المشاركة السياسية التى تهدد الجميع وتفرض حالة من الركود على نشاطنا السياسى برمته ، فإذا قاد تنظيم أو حزب مبادرة جدية نحو إعادة بناء كوادره وتفعيل مشاركة أعضائه فى استكمال هياكله فان التنظيمات والاحزاب السياسية الأخرى مطالبة بأن تتخلص من حالة الشك الدائمة والمستعصية وأن توحد صفوفها وتتخلى عن انقساماتها عبر إختيار حر تكون الكلمة فيه للأعضاء فى إطار فلسفة عمل واضحة تبرر وجود تلك التنظيمات والاحزاب على الساحة السياسية .وربما تخطئ التنظيمات والاحزاب السياسية القائمة الآن فى خطابها السياسى حين يدور ذلك الخطاب حول محور واحد وهو التقليل من كل إنجاز والنيل من كل مجتهد فى الخطأ والصواب معاً ، فاستمرار هذه النبرة فى خطاب التنظيمات يفقد الجميع الثقة فى كل شيئ بما فيها تلك التنظيمات وقياداتها ويصبح من العسير إيجاد مناخ للتعددية والمنافسة السياسية ومن ثم تفقد تلك التنظيمات الهدف من وجودها ، فالعمل على فقدان الثقة لن ينال تنظيماً بعينه ، ولكنه فى النهاية سوف تنعكس آثاره على الجميع وسيتيح الفرصة لمستثمرى السخط العاملين على تزييف الوعى العام تحقيقاً لأهداف أبعد ما تكون عن مصلحة الوطن والمواطن .إن المواطن لا يؤيد أى تنظيم إلا إذا أيقن بأن ما يهدف إليه فى كل خطوة من الخطوات يستهدف بها المصلحة العامة ، ومن الخطأ أن يتصور أى تنظيم أن الناس يمكن ان ترضى عنه لمجرد الإطمئنان الى أن نياته ومقاصده شريفة ، ولعلنا نتفق جميعاً على حقيقة أساسية هى أن الناس منذ الأزل لا يستطيعون الإستمتاع بحبهم وولائهم لتنظيماتهم إذا نما شعور بأن هناك قلة تنعم بإمتيازات خاصة أو أن حقوق البعض متوقفة على أهواء الآخرين ، أو إذا كان منهج التنظيم أو الحزب ينتصر لفئة معينة .إن أى تنظيم يبحث عن النجاح الدائم وليس المظهرى أو المؤقت هو الذى يبدو فى خطواته وقراراته إنه يتحرك تحت مظلة من الالتزام السياسى والأخلاقى مع المجتمع ، وبقدر صيانته للحقوق تكون تصرفاته صحيحة ، أما إذا أدار ظهره لهذه الحقوق أو حصر نفسه داخل نطاقها سقط عنه حقها فى أن يستمتع بتجاوب الناس معه ، ولايكفى أن نكرر القول بأن الديمقراطية هى تعدد التنظيمات والاحزاب ، وأنه لا ديمقراطية بدونها ، وإنما ينبغى أن نقول أنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية إلا بوجود تنافس سياسي بين تلك التنظيمات والاحزاب ، كما أن الديمقراطية الحقيقية تبدأ بوجود ديمقراطية حقيقية ذاتية داخل التنظيمات نفسها لأن الديمقراطية هى فى الأساس عنوان لبناء سياسى له مواصفات واشتراطات أهمها حرية المواطن وحقه فى التعبير عن رأيه ، فاذا كانت هذه الحرية غائبة وهذه الحقوق مهضومة داخل البناء التنظيمى فكيف يمكن الرهان على قدرة هذه التنظيمات على الالتزام بالديمقراطية إذا وصلت الى سدة الحكم ؟ .إن المرحلة الحالية التى تعيشها بلادنا تمثل تحولاً تاريخياً فى مسيرة السيادة والحياة الديمقراطية لذلك من الضرورى أن تجرى التنظيمات والاحزاب السياسية تحولات وتغييرات ( بمبادرة ذاتية من داخلها ) تتلاءم مع الواقع الجديد على سطح الساحة السياسية الاريترية إن أى حديث عن الديمقراطية والحلم فى تداول السلطة وجميع المطالب والطموحات التى نتغنى بها لا يمكن أن تجد لها صدى ومردوداً لدى الرأى العام الاريتري مالم يقترن ذلك بإشارات واضحة تؤكد حدوث تغيير فى فلسفة البناء الداخلى للتنظيمات وبما يؤكد إنها مؤهلة لكى تبدأ بنفسها فى تطبيق الديمقراطية من داخلها حيث تصبح عناوين الديمقراطية محسوسة وملموسة لدى الناس وليست مجرد أطر وتشكيلات تنظيمية على الورق أو بضعة مقاعد على الاجهزة التنفيذية والتشريعية .وإذا كنا نبرر سبب عزوف الناس عن الدخول فى التنظيمات بوجود قيود ومحظورات ننسبها الى الفقر والجهل والممل من تجارب سابقة على الساحة فإن ذلك لا يمثل سوى جانب محدود من أسباب العزوف الذى يرجع لاسباب كثيرة أهمها مناخ السلبية الذى واكب سنوات غياب التنظيم الرائد لا سيما أنه كان واضحاً أن سياسات وتوجيهات كل تنظيم تقررها حلقة ضيقة من القيادات العليا التى لا تريد من الأعضاء سوى السمع والطاعة . إنه من غير المعقول أن تظل معظم التنظيمات الاريترية بعيدة عن الحد الادنى من إمتلاك القدرة التنافسية التى تمكنها من أن يكون لها وجوداً فاعلاً على الساحة السياسية الاريترية من خلال عمل ملموس يعتمد على فكر وعمل يكشف عن رؤيتها فى كيفية التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية والسبب يرجع فى أن بعض التنظيمات غارقة فى مشاكلها الذاتية المتمثلة فى صراعات وإنشقاقات حول المناصب والمواقع القيادية والسعى لتعويض هذه الصرعات بإظهار العضلات والمزايدات .ويا أيتها الديمقراطية المصنوعة بمقياس تنظيماتنا وأحزابنا كفى عبثاً وتلاعباً بعقولنا ومشاعرنا ومستقبلنا لأن الظرف لا يحتمل مثل هذا الهراء . آدم الحاج موسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى