مقالات

نشوء دول جديدة في القرن الأفريقي وجواره- (جنوب السودان) ــ 3 ــ • إيرما تادِّيا

19-Aug-2017

عدوليس ـ نقلا عن الأفريقية

من المهم، من وجهة نظر تاريخية، أن نركز على حالة أخرى وثيقة الصلة بهذه الدينامية من ديناميات تكوين الدولة في القرن الأفريقي والبلدان المجاورة: هذه الحالة هي السودان الذي تعكس تجربته تعقيد منطقة القرن الأفريقي بأسرها هذه الأيام، إذ أتمّ السودان مؤخرَا انقسامه، وتقدّم صوب حل سياسي مختلف يأخذه من الوحدة الاستعمارية إلى التقسيم، أى انقسام الب,لد إلى دولتين منفصلتين. ونستطيع التأكيد على أن السودان اتّخذ وجهة معاكسة للإرث الاستعماري منذ استقلال جنوبه 9 يوليو 2011. ويمكن تحليل الانقسام وتأسيس دولة جديدة، من بعض النواحي على الأقل، بوصفها استمرارًا لذلك الإرث، فالواقع أن السياسية الاستعمارية كانت واحدًا من الأسباب التي أفضت إلى ذلك، خصوصًا بعد 1930، حيث أنشأت إدارة مختلفة للجنوب وعزلته عن الشمال، وكان ذلك مقدمة لتعزيز الحكم الذاتي الذي أفضى إلى التقسيم.

كان أثر الاستعمار حاسمًا في سيرورة بناء الهوية والأمة في السودان، حيث برز الكيان الجيو – سياسي المُسمّى حاليًا بالسودان في القرن التاسع عشر، مع غزو مصر (1821)، ثم أُلحق الجنوب على نحوٍ مُطرد بالحكم التركي – المصري، بدءًا من أربعينات القرن التاسع عشر، لكن الإدارة لم تعش وضعًا طبيعيًا هناك، وظلّت المنطقة بصورة أساس مَصْدرًا للرقيقِ والعاج، ومع الفتح الانكليزي – المصري، وحكمهما الثنائي (1898) أُدخِلَ الجنوب في ظل نظام الشمال الإدراي ذاته، ولم تُحلْ محله إدارة فعليِّة إلاّ ببطء، لأن كثيرًا من المناطق بقِيتْ خارج سيطرة الدولة، لكن جرى استكشاف عدد من الخطط التنموِّية، إذ أن الجيش في الجنوب كان ينتمي إلى الموجود في الشمال ذاته، وهو الجيش المصري بطبيعة الحال، كما كانت حركة التجارة والبشر متاحة ومفتوحة، لكن الحكومة لم توسع نطاق التعليم ليطال الجنوب، وتركت هذه المهمة للبعثات التبشيرية. ونظرًا إلى الاعتقاد بأن المسلمين لن يرتدّوا عن دينهم فقد أُعطيت البعثات التبشيرية حرية كاملة في الجنوب.مضت الأمور في التغير بمزيدٍ من السرعة مع التحول إلى الحكم غير المباشر وراح هذا التغيُّر يتواصل باطرادٍ في عشرينات القرن الماضي، وكانت هذه السياسة وثيقة الصلة بالفكرة التي فحواها أن في السودان (عرقين) عرب وأفارقة، ويجب أن يُحْكما بنظامينِ مُختلفين، على أن يتطور كلٍ منهما على أُسسه الخاصة المُختلفة عن الأخرى حتمًا. وكان هنالك من ينظُر إلى النفوذ الشمالي (العربي) في الجنوب باعتباره غير مرغوبٍ فيه، لأن الاختلاط العرقي هو بمنزلة الانحراف، ولأن الإسلام والعادات الشمالية لا يتلائمان مع الجنوبيين.بعد أزمة (1924) والتي عُزيت إلى التأثير السلبي (للموَلّدين) تعززت قوة هذا النموذج، ومنذ ثلاثينات القرن العشرين، فُرضت السياسية الجنوبية، وفُصِلت الإدارتان الشمالية والجنوبية فعليَّا، وأُقيم نِظامَا حُكم مختلفان من حيثُ أسلوب الإدارة والدين والتعليم والاقتصاد. وغدت الانجليزية والمسيحية اللغة والدين الرسميين للجنوب، ويوم الأحد العطلة الرسميِّة، وقامت الإدارة على الروابط الأبوية أكثر منها على الروابط الرسميِّة، فأصبحا كجارين لا يعرف كل واحد منهما الآخر فِعليًّا، ويُمارس أحدهما (الشمال) على الآخر (الجنوب) هيمنة عنيفة.وهكذا إلى أن بدأت الحرب الأهلية في (1955)، قبل الاستقلال في واقع الأمر، مع تمرد الكتيبة الاستوائية في توريت.السؤال: هل خرجت اريتريا وارض الصومال وجنوب السودان من حالة التصدع والفوضى، بُعيد استقلالهم؟ثمة علامة استفهام كبيرة. فهل نتكلم عن دور خفّي تؤديه الدول الاستعمارية؟______* بروف إيرما تاديّا – أستاذة التاريخ والثقافة في جامعة بولونيا الإيطالية- المقال منقول من كتاب العرب و القرن الأفريقي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات في قطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى