مقالات

التضامن السوداني مع الإرتريين (2-6) تجربة مركز سويرا: عندما يحدث التضامن فرقاً كبيراً. بقلم / ياسين محمد عبد الله

7-Feb-2020

عدوليس ـ ملبورن

محمود الشاذلي : تعود علاقتي مع محود الشاذلي إلى أكثر من 40 عاماً، عندما كنا ندرس في كلية حقوق في جامعة دمشق. منذ بداية تعارفنا ربطت بيننا صداقة قوية بالإضافة، إلى عوامل أخرى لعب توجهنا السياسي المشترك دوراً في توثيق علاقاتنا سريعاً. كان محمود نصيراً للنضال الإريتري من أجل الاستقلال منذ السبعينات وقد تعرف في نهاية عقد الثمانيات على بعض مناضلي الثورة وارتبط بصداقات معهم.

في 27 أغسطس 2004 قامت مجموعة من الشباب الإرتريين بإجبار طائرة عسكرية ليبية كانت تقلهم قسراً إلى إريتريا. كان عدد ركاب الطائرة 78 بينهم نساء، أطفال وشباب. كان هؤلاء الشباب يعرفون المصير الذي ينتظرهم هم وأسرهم إذا وصلوا إلى مطار أسمرا فلم يكن أمامهم أي خيار آخر سوى منع الطائرة من إتمام رحلتها علماً بأن أي منهم لم يكن مسلحاً والطائرة كانت عسكرية لا تقل سواهم وطاقهما.
وجهت السلطات السودانية إلى 15 شاباً بين ركاب الطائرة تهمة اختطافها وهي تهمة تقع في إطار قانون مكافحة الإرهاب أي إنه وجهت إليهم تهمة القيام بعمل إرهابي. عندما قدموا للمحكمة لم يكن مركز سويرا قد بداً عمله رسمياً بعد لكنه كان قد نشر بيانه التأسيسي، وكانت هذه أول قضية يتصدى لها. حضرنا محمود وأنا أول جلسة للمحاكمة، محمود كمحامي عن المتهمين بعد أن طلبت منه ذلك. هناك انضم إليه كل المحامين الذين كانوا حضوراً في ذلك اليوم في المحكمة وشكلوا هيئة للدفاع عن المتهمين الإريتريين. لكن الهيئة لم تعمل سوى ذلك اليوم وواصل ساطع الحاج أحد المتطوعين العمل مع محمود في بعض المراحل لكن المهمة الرئيسة والتي استغرقت عاماً كاملاً قام بها محمود. حكمت المحكمة على هؤلاء الشباب بالسجن 4 سنوات والإبعاد إلى إريتريا بعد انتهاء فترة الحكم. بعد استئنافه، خفض الحكم لعامين لكن كانت الإدانة موجودة وكذلك الإبعاد بعد نهاية فترة السجن. كان محمود يدفع الرسوم من جيبه وكنا نستخدم سيارته في زيارة السجناء في سجن كوبر.
هناك موقف لا أنساه عندما اضطررنا إلى طلب المساعدة من جهاز الأمن خوفاً من أن يتم تسليم هؤلاء الشباب إلى النظام في إريتريا وقد كانت العلاقة بين النظامين سيئة. ذهبنا، محمود، ضابط الأمن وأنا إلى السجن لمقابلة هؤلاء الشباب. كنت أسال نفسي ونحن في الطريق كيف استطاع محمود الاشتراك في مهمة كهذه بصحبة ضابط أمن هو الذي عانى من ممارسات هذا الجهاز التعسفية مثل الاعتقال والمراقبة؟ في تلك اللحظة اكتشفت لأول مرة، أنا الذي كنت أعرفه منذ عشرات السنين، صفة فريدة يتحلى بها محمود وهي إنه يهتدي بضميره ولا يقيم وزناً كبيراً للكلام والشعارات المنمقة ولا يكترث للمظاهر، وأنه يرتب أولياته بجعل قضية العدالة الإنسانية فوق كل شيء.كان محمود متأثراً بمعاناة الإرتريين بعد الاستقلال وعلى وجه الخصوص الاعتقال التعسفي والاختفاء وكان يعرف بين الذين تعرضوا للاختفاء القسري الأخ محمد عثمان داير، الذي كان محمود يحبه ويقدره كثيراً. طلب محمود من المحكمة العليا أن تحكم بعدم اختصاص الدائرة الجنائية فيها بحيث تلغى إدانة هؤلاء الشباب. لقد لاحظنا أن مفوضية اللاجئين في الخرطوم كانت مترددة في مساعدة هؤلاء اللاجئين لأنهم متهمون بالإرهاب وفي إحدى المرات قالها لنا أحد ممثليها صراحة بأنهم لن يستطيعوا تقدم مساعدة لأشخاص مدانين بالإرهاب. كنا نعرف إنه إذا خرج هؤلاء الشباب بتخفيف مدة الحكم أو بالعفو سيظل الحكم الصادر ضدهم حائلاً أمام اعتراف مفوضية اللاجئين بهم كلاجئين.
استجابت المحكمة العليا للاستئناف الذي تقدم به محمود واعتبرت المحاكمة باطلة بسبب عدم الاختصاص وقررت تسليم المتهمين للجهات المختصة والتي فسرها محمود بأنها مفوضية اللاجئين وقبل تفسيره. لم يكن الحكم يعني فقط خروجهم من السجن قبل أن يكملوا المدة وعدم تسليمهم إلى النظام الديكتاتوري في إريتريا بل كان يعني أيضاً وضع المسؤولية عنهم على عاتق مفوضية اللاجئين التي قامت بإعادة توطينهم بعد فترة ليست طويلة.
قدم محمود خدمات أخرى كثيرة للمركز، شارك في الورش التي أقامها المركز ودافع عن بعض اللاجئين الذين كانوا مهددين بالإبعاد. لقد لعب محمود الشاذلي، متطوعاً، دور المستشار القانوني للمركز ولم يرفض تقديم أية مساعدة طلبت منه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الصورة المرفقه لمولانا محمود الشاذلي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى