مقالات

تداعيات قرارات وشروط طرح طبعة جديدة للعملة الإريترية

12-Nov-2015

عدوليس ـ بالتعاون مع إذا اعة المنتدى

في الأسبوع الأول منذ إعلان تبدل العملة ، وسط حالة من الخوف والقلق، أمضى الشعب الإريتري أسبوعه المنصرم، منذ ذلك الأربعاء الرابع من نوفمبر الجاري، حين أعلن البنك الإريتري المركزي عن برنامج تغيير طبعة النقفة المتداولة حاليًا.. منذ ذلك الإعلان الفاجع وحتى هذا اليوم، مر أكثر من اسبوع تهاوت فيه، ليست فقط، الأحلام في حياة كريمة لم تُسهم الحكومة في توفير متطلباتها، بل سقطت فيه توقعات الحلول السلمية مع هذه الطغمة المجرمة، وأصبح شبح المواجهات العنيفة من السيناريوهات الوشيكة الحدوث. الأثر المباشر لهذا القرار العصي على الوصف تمثل في حزمة إجراءات وخطوات متباينة بل ومتعارضة سيتم استعراضها في هذه المساحة. لكن وباختصار شديد يمكن القول إن حرب المصالح قد بدت مستعرة جدًا بين الشعب الإريتري المغلوب على أمره والعصابة الجاثمة على صدر الوطن.

لم يسلم من لدغة هذا القرار المُودعين في بنوك النظام، أو الذين قاطعوا تلك البنوك، فالعصبة وضعت يدها على كل فلس في اريتريا، وليس أمام الشعب إلّا خيارين: إما الاذعان، أو الإنتفاض والدخول في عصيان مدني واضرابات مفتوحة. هذا في الداخل بينما انشغل الناس في الخارج بالسعي وراء فقاعات وهمية، وجدال حول اختفاء الديكتاتور وظهوره.. مرضه وعافيته.. موته وحياته، وتناسى الجميع إن مثل هكذا قرارات إجرامية لا يمكن أن تكون إلّا من إبداعات أفكاره المريضة، وإن الدكتاتور لن يغيب عن المشاركة في أي فعل إجرامي طالما أنه لم يزل ممسك بموقع صنع القرار. خلال هذا الأسبوع الثقيل، وصلت معدلات سعر صرف العملات الأجنبية في السوق الموازي إلى إرتفاع لم تصله خلال ربع القرن الماضي. وكانت الحكومة قد اشاعت في وقت سابق إن اسعار العملات الصعبة في تناقص، وعليه سارع الجميع بالتخلص من مدخراتهم من تلك العملات وباعوها لممثلي الحكومة بالخسارة، ثم جاء القرار، ومرة اخرى سارع البعض لشراء العملات الاجنبية من نفس وكلاء الحكومة ايضا بالخسارة. عليه اصبحت حكومة (المنشار )، قد اخذت ما ليس لها هبوطًا وصعودًا والنتيجة أن كل مواطن باع ثم اشترى من العملات الأجنبية قد خسر ثلثي القيمة المستحقة فعلًا . الأثر الأكبر خلال هذا الأسبوع، كان في ارتفاع أسعار المواد الإستهلاكية، واختفاء بعضها من الأسواق بشكل مباشر، فور إعلان قرار تغيير العملة وفق الشروط القاسية، التي لا تفسير لها غير أن الحكومة قررت ان تضع يدها على الممتلكات الخاصة بالشعب، بعد ان عزف الشعب عن وضع ودائعه الإدخارية والإستثمارية في بنوك النظام، ولأن الودائع هي العنصر النقدي الأكثر سيطرة على الإقتصاد، جاء القرار كمعالجة قسرية، ليست إقتصادية ولا علمية ولا داعي لها أبدًا، إلا إذا كانت الحكومة تريد أن تؤجج المواجهة بينها وبين الجماهير، وتُعجل بتلك المواجهة التي أصبحت محتملة الحدوث، بالرغم من أن الأجهزة الأمنية والعسكرية موضوعة في حالة التأهب القصوى منذ بداية الأسبوع الأكثر صعوبة. في بحر الأسبوع المنصرم، ودون مقدمات، ارتفع سعر رغيف الخبز بنسبة 100% واختفت معه سلعة الطحين من كل الاسواق، و بدأت السلطات في مداهمة المخازن الخاصة المملوكة للافراد بغرض مصادرة محتوياتها من دقيق وزيوت طعام وحبوب غذائية وبقوليات ومنظفات وغيرها !. كل ذلك جاء نتيجة لحمى الشراء التي أصابت الجميع تقريبًا، فبعد السقف المالي المحدد في إعلان البنك المركزي لتغيير النقفة، إنتاب أصحاب الأموال المحفوظة خارج النظام المصرفي حالة من الهلع ومخاوف من السؤال القادم بلا شك: ”من أين لك هذا “ لذا أصبح كل شخص يشتري أي شيئ يعتقد أنه سيحفظ له أمواله. البعض اشترى ممتلكات وأمتعة هو ليس في حوجة إليها أصلًا، وبأسعار باهظة جدًا، والبعض الآخر احتكر سلع بعينها واشترى كل المطروح في السوق. ارتفعت أسعار التبغ والملابس والمصنوعات البلاستيكية والمشغولات الجلدية، وأي سلعة يمكن أن تباع لاحقًا، وظهرت فئة طفيلية تدّعي أنها قادرة على تبرير امتلاكها للملايين من النقفات مقابل نسبة يدفعها الملاك الأصليين حفاظًا على أموالهم أو ما يمكن أن يتبقى منها! والبعض الأكثر تعاسة اشترى أشياءً تُسيطر عليها الحكومة وأصبح تحت مدى قسوتها إذْ لا مجال للحديث عن الرحمة عند ذكر هذا النظام المجرم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، اشترى بعض التجار كل كروت الشحن الخاصة بشركة الاتصالات الإريترية الوحيدة والمعروفة باسم (إري تيل) واختفت كروت الشحن المسبق لأجهزة الهواتف الجوالة وأحدث ذلك فجوة مريعة في خدمة الاتصالات الهاتفية، وتنامت الطوابير أمام مراكز بيع كروت الشحن وفروع (إري تيل). هذا هو المنظور، أما الجزء المخفي من المشهد فهو أن إدارة شركة (إري تيل) قررت إلغاء برمجة الكروت المباعة بالجملة حتى لا يستطيع أي مستخدم لها الإستفادة من خدمات الاتصال، أي إن كروت الشحن مدفوعة القيمة سلفًا اصبحت خارج الخدمة ! ونسأل الله ان يعوّض من يشتريها من المستهلكين. هذه أيضًا تُعدّ من الجرائم الفادحة والفاضحة للعقلية الإجرامية التي تدير حرب المصالح التي شنتها السلطات الإريترية على شعبها. إذا كان هذا حال السوق الإريترية، فأحوال الأسواق المجاورة ليست بأفضل حال بفعل هذا القرار العجيب، ففي ولاية كسلا السودانية انخفض سعر النقفة بمعدل 75% من سعرها قبل أسبوع، وماتت مبالغ تصل إلى نصف مليار نقفة في أيدي تجار سودانيين او اريتريين مقيمين في السودان، بعد ان أُغلقِت الحدود واُتبعِت اجراءات تفتيش دقيق لكل قادم من السودان، وعدم السماح بدخول النقفة إلى بلدها الأصل ! هكذا ردَّ نظام اسمرا التحية بأسوأ منها لحلفائه من فئة طفيلي تجارة الحدود وشركائه من مجرمي الإتجار بالبشر، واتباعه من أثرياء الصدفة والغفلة. كل هذا تم خلال هذا الأسبوع الأكثر جنونًا !. مضى الأسبوع بتثاقل بينما والي ولاية كسلا/ آدم جماع آدم، ومدير جهاز الأمن والمخابرات وكبار المسؤولين العسكريين في ولاية كسلا يقومون في هذه الأيام بزيارة لإريتريا حملت الكثير من التوسلات والطلبات الخاصة بضرورة معالجة موضوع الأموال المحتجزة في كسلا، وتسوية أوضاع التجّار المتضررين ولو بنصف القيمة الحقيقية للنقفة مقابل الجنيه السوداني. فجاء الرد الإرتري الرسمي بالقول: ”إنّهم قرروا ألّا يُسمح بدخول أي مبلغ كان في الخارج لحظة صدور القرار“!. هنالك ايضا جهود خاصة تمثلت في طلب خاص تقدم به الوزير السوداني/ مبروك مبارك سليم، رئيس ما يعرف بتنظيم الأسود الحرة، يطالب فيه الرئيس اسياس بإستثناء أبناء الرشايدة من الشروط الواردة في إعلان تغيير العملة، ولم يحصل الوزير السوداني الذي يعتبره الكثير من الإريتريين شريكًا في معظم الجرائم الخاصة بتهريب البشر والإتجار بهم، وتجارة الأسلحة والمخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية، لم يحصل بعد على أي رد على مناشدته التي خصّ بها الرشايدة دون بقية خلق الله. لكن، إن استجاب النظام لهذه المناشدة، وتم استثناء الرشايدة من تلك الشروط فسيكون الأمر أكثر وضوحًا وستُزال ستارة أخرى من حُجب السرية التي تحيط بعلاقة الرشايدة مع الرئيس المخبول. وبالطبع موضوع تغيير العملة يُذكِّر الجميع بالدور الذي لعبه الوزير/ مبروك مبارك سليم عندما شارك في عمليات نقل الأموال المنتهية الصلاحية من جنوب السودان عبر جسر جوي بين جوبا وساوا، حيث أُدخلت تلك الأموال إلى السودان ليعاد تغييرها في شماله، وكانت خصمًا كبيرًا على الإقتصاد السوداني في حينه. إنّه تحالف إجرامي يمكن أن يُجدد في أي لحظة وفق المصالح، إذْ لا يُستبعد ان يشير الرئيس اسياس للوزير السوداني بجمع الأموال الإرترية الطائلة المعلقة في ولاية كسلا بربع القيمة او أقل، ويعيدها بعد ان تُحسب له العمولة المجزية. عليه فإن هذه الجهود السودانية الرسمية المتأخرة تجد منّا كل الإستهجان، ذلك لأن الطبعة الجديدة من النقفة، تم صكها في مطابع (شركة مطابع السودان للعملة) بالخرطوم جنوب، وفق اتفاق أُبرم في الثامن من مايو عام 2014، بين الجانب الإرتري الذي قاده رأس النظام شخصيًا، والجانب السوداني الذي حشد رجالات القطاع المالي، وزير المالية ومحافظ بنك السودان ورئيس مجلس الإدارة ومدير ونائب مدير شركة مطابع العملة السودانية بحضور وزراء آخرين في ذلك الوقت. ثم وصلت الأوراق المالية الجديدة الى اسمرا برًا وعبر ولاية كسلا وبتأمين من سلطاتها الأمنية في منتصف سبتمبر الماضي. إذن ما الجديد على الجانب السوداني حتى يأتي والي كسلا الآن إلى اسمرا ليرفع أكف الضراعة بين يدي الطاغية في لقائه الأخير به ؟. ولما لم توضع مصالح التجار السودانيين ضمن شروط اتمام الصفقة ؟ أم أنها عملية مدبرة ومركّبة ومتداخلة المنافع تتيح للأطراف الحاكمة في ارتريا والسودان بتحكيم قبضتها على حركة المال لأسباب ليست على صلة بالشأن الإقتصادي وهذا ما يؤكده نوع الوفد القادم من ولاية كسلا. إذن الأمر لا يعدو كونه لعبة أمنية متفق عليها. عمومًا، كل ما تم يقود إلى سؤال أكثر أهمية، وهو: إن كان إعلان تغيير العملة قد حدد أن كل نقفة جديدة تساوي نقفة قديمة، عليه، أين ستذهب هذه الأموال التي أصبحت خارج دائرة الصرف ؟ أين القيمة غير المدفوعة ولمصلحة من ستعود ؟ . مع التذكير بأنه لو كان حق التملك يعني الإعتراف بحق الملكية الفردية للإنسان وتمكين المالك من سلطة التصرف بالشيء والإستفادة منه واستغلاله، عليه تصبح عصبة الهقدف قد اسقطت هذ الحق عن مواطنيها عمدًا، ليضاف ذلك إلى سلسلة انتهاكاتها للحقوق. وللرد على بعض الأصوات التي حاولت التبرير والترويج لهذا القرار المجحف وتوصيفه بأنه مخرج من الأزمة الإقتصادية الناشئة كنتيجة لحالة اللا حرب واللا سلم، نقول: إذا كان على سلطات الهقدف الغاشمة أن تسعى للاصلاح الإقتصادي، هذا ان تركنا الإصلاح السياسي المباشر واللازم جانبًا، فالأمر كان يقتضي التصدّي القائم على تمكين الحقوق، وإيجاد منتهى للأزمة الاقتصادية عبر جملة أمور من بينها الإصلاح التنظيمي، وتحسين سياسات التدريب على الوظائف وتوفير الوظائف، والضمان الإجتماعي والتعليم، وتوفير الصحة للجميع. وهذا النهج، المشتق من حقوق الإنسان لجميع الأشخاص غير القابلة للتصرف، وجيه قانونياً وسليم اقتصادياً ومدعّم على نطاق واسع، لكن وكما جرت العادة اختارت تلك الطغمة الطريق المعاكس. أخيرًا وحتى العودة لمتابعة التداعيات، نود الإشارة إلى أن مجالس أسمرا تتندر بما قاله مدير البنك المركزي/ كبرآب ولدماريام، حيث ذكر في سياق تبريره لهذا القرار الجنوني على فضائية النظام ” إن الهدف منه التهيئة لخدمات مصرفية متطورة، وإدخال المظاهر الحضرية في الأداء المصرفي“. لكن، بدلًا عن ذلك أسهم القرار في أن تمتد طوابير انتظار الحصول على المواد الإستهلاكية والضرورات اليومية. ويبدو أن ظاهرة الطوابير تُحسب أيضًا من المظاهر الحضرية عند كبرآب وعصبة الهقدف، لذا عليهم بإدخالها في سوق الخدمات حتى ولو بفرض الندرة والفقر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى