مقالات

عامان على ٢١ يناير . بقلم / آمال علي

21-Jan-2015

عدوليس ـ ملبورن ـ

يناير ٢٠١٣ ،الحدث المفصلي في الحراك السياسي الاريتري الداخلي . نعم ، مفصلي كونه حدد وبشكل قطعي معضله التغيير المنشود من الاتجاهات المعارضه لنظام افورقي ،لصالح الداخل الاريتري . فقبل يناير ، كانت التكهنات والتوقعات تدور حول محوريين أساسيين ، الاول ، والذي كان الأكثر مراهنه عليه للأسف وهو غياب طبيعي للرئيس اسياس افورقي ، بناءا على ارتفاع معدلات أنباء الهبوط الصحي للرئيس والذي ازدادت وتيرته في السنوات الماضيه . والمحور الثاني ،وهو احتمال ان تقود بعض قوى المعارضه للتغيير بدعم قوى خارجيه ، وتحديدا اثيوبيا .حتى أتت احداث يناير ٢١والتي قلبت المعادلة المعارضه ، وسحبت الاحتمالين الى

الخلف مقابل تقدم واضح للنشاط المعارض لاحقا لدعم الداخل الارتري . وبرأي ، ان تحرك يناير ، سيظل من اهم الاحداث اهميه على مستوى المواجهه مع نظام افورقي القمعي ، لأسباب عده وأهمها ،انه أظهر وبوضوح ان ما كان يبدو من تبعيه عمياء او رضوخ يائس للرئيس افورقي ،من رجالات الدوله ومن كواردر الشعبيه ،انما كان اكثر من استياء وترصد لأقرب الفرص لإعلان الرفض او حتى الانقلاب والخلاص من نظام افورقي في معادله صعبه وبالغه الخطوره . ويأتي سبب اخر اكثر اهميه برأي ، وكونّي أؤمن بان تحرك يناير كان مدروس ومبرمج رغم الإحباط الذي واجهه نتيجه لأسباب لانعرف الكثير عنها بعد ، أن هذا التحرك أيقظ وبقوه الوعي الوجودي لاسياس وزمرته القليلة المنتفعه الى ان مصيرها في كف عفريت ،وان احتمال المتربصين بها كثر ، وربما أقرب مما يظن الرئيس نفسه . وهنا ، يبدأ التحول الأكثر خطوره على مستوى الحراك الحكومي ،بان تشهد البلاد تحركات عده وتصفيات متعدده الأشكال للعديد من العناصر التي قد تشكل خطر على الرئيس ، أضافه الى تنشيط قوى المعارضه الاثيوبيه المسلحة لتكوّن ،قوه احتياط لحمايه النظام في حاله اي تصعيد محتمل لم ترصده توقعات الرئيس .
سبب اخر مهم من انعكاسات يناير على معادله المعارضه ، هو تصعيد النشاط المعارض الموجه الى الداخل ، بداء من التحريض المباشر والذي قادته ومازالت مجموعات شبابيه متعدده ،أوضحها نشاطا مجموعه ” جمعه التحرير” .
بداء من نداءاتها المناوئة للنظام عبر اتصالات عشوائية مباشره باسمرا بالمواطنين او تلك التي تستهدف مسؤولين حكوميين . ومروراً، بانضمام مجموعات شبابيه لهذا الحراك ، والعمل على نشر رسائل “جمعه التحرير” عبر النشرات المكتوبه والملصقات المندده بالنظام . وهناك أيضاً البث الإذاعي والموجه الى الداخل عبر الموجات القصيره والنايل سات ،مثل اذاعه (ارينا، اذاعه إسنا وحديثا صوت المنتدى ) باللغتين العربيه والتقرنيه. أضافه الى المنتديات الناشطه عبر البالتوك والتسجيلات المختلفة والتي تناقش الأوضاع وتقدم نماذج حيه من أشخاص يقدمون تجاربهم الحيه مع الجبهه الشعبيه ورئيسها في محاولات جاده لتعريه الممارسات القاتلة التي مورست في مرحله الكفاح المسلح .
وفي ظل هذا التوجه المعارض للداخل ، يكون التساؤل حول الوجود الفعلي للتنظيمات المعارضه في الداخل . بالتأكيد أن التصريح او التباهي بوجود كوادر تنظيمية فعاله لأي تنظيم اريتري في الداخل امر غير وارد وغير عقلاني ، لما نعرفه من بطش وقمع ومراقبه أمنيه خارقة للنظام . ولكن ، وبالرغم من المنطق الذي يتعامل به معظم من هم في الحراك المعارض ،ان لكل منا ،علاقات وصلات مع الداخل ، دون ان يكون بالإمكان تحديد ماهيه هذا الارتباط وكيفيه توظيفه او تهيئته لان يكون فعال ومشارك في الحراك الداخلي او في احتمال حدوث تغيير مفاجىء للنظام ( وهو احتمال مازال وارد بقوه ) وكذا في ماهيه الأسس التي تجعل من هو في الداخل مرتبط بهذا التنظيم او ذاك التجمع . اهو ارتباط نفسي ، عفوي ، مرجعيته معرفيه مناطقيه او مذهبية او اثنيه ام انه ارتباط ممنهج ومؤسس . ؟
إن القمع الذي مارسه الرئيس اسياس افورقي ضد كل الأصوات الناقده والمعارضة لسياسته ، فاق بالتأكيد طاقات الاحتمال للشعب الاريتري بكل فئاته . وان محاوله تفعيل اي مجموعه او حتى افراد للعمل في الداخل هو انتحار معلن وغير واقعي تماما . ولكن ، أعتقد ان الحراك المعارض ، وبتعدد تنظيماته وقواه المدنيه في الخارج ، لم يتمكن حتى الان من خلق وتفعيل برنامج سياسي بديل ، ولم يحدد حتى الان بوضوح ملامح خطابه السياسي ليتمكن من خلاله استقطاب الداخل الاريتري ، ولفت الانتباه اليه ، ليعمل الداخل و والخارج بطريقته في تفعيله لاحقا في ظل التغييرات المحتمله .
ان الخطاب السياسي ، المتمكن من رؤيته ، والمتمكن من أدواته التحليليه المرتبطه ارتباطا وثيقا بالواقع في الداخل والمواكب له ولاحتياجات التغيير كما يراها المواطن الاريتري ، هذا الخطاب ، يستطيع المرور والوصول للمواطن ويستطيع ان يؤسس لوعي وطني ، واقعي ومتماسك وواضح المعالم في مواجه التغيير واللاعبين فيه مستقبلا .وهذا الخطاب لا يحتاج الى وجود حسي ، فلا حوجه هنا لاجتماعات ولا لخلايا سريه ولا خطر جسدي مباشر من النظام وقواه الأمنية الباطشه .
وهنا ، لم يعد من الصعب على أي اريتري ، ان يحدد حركه النظام السياسي في اريتريا بعد الاستقلال وان يحدد اللاعب الرئيس فيها ، وهو الرئيس نفسه . إن القول بنظام اسياس هو ، برأي ، قول مجازي . لان السيد الرئيس اسياس افورقي ، وعبر الرصد التاريخي لحركته ككقائد تنظيمي ، وكرئيس لدوله اريتريا ، ومن خلال سياساته ، والسرد المباشر والغير مباشر لمن عاصره . ومن خلال الأحكام المطبق لقبضته الفولاذية على (مفاتيح ) السلطه ، أثبت أنه اللاعب الأكثر تمرسا في ممارسته الفعل السياسي . ولن يسقط واقع انه غير أخلاقي وديكتاتور والخ مما نستطيع وصفه به انه مازال يلعب دورا فعالا في رسم ملامح السياسه الاريتريه الداخلية ، سلبا كان ام (إيجاباً) .وهنا ، يبدو لي ، ان اللعبه السياسيه من منطلق ومنطق ،الرئيس، اللاعب السياسي ،الأوحد ، مغرق في هوسه بالسلطة ، ونموذجه ليس فريدا ، بل هو ،متعدد ومألوف في منطقتنا وفي العالم العربي ، وأن حلمه السلطوي الديكتاتوري ، لا يتكىء على مفاهيم مثل الوطنيه ، والمصالحه العامه ، التاريخ وحركه الأجيال وغيره . ان حكام مثل اسياس افورقي ، هم اولا وأخيرا يبحثون عن استمراريه حكمهم و بقائهم وأسرهم والدوائر القليلة ذات المصلحه فقط ، انهم يبحثون عن الفرص التي تؤمن ذلك ويعملون جاهدين في توظيفها من اجل أهدافهم الضيقه . لذا ، صنفوا عالميا بأنهم ديكتاتوريات . وبالمقابل ،وللاسف، تخفق أو تتأخر كثيرا القوى الوطنيه الحقيقيه ، والتي تستند على تنوعها الإنساني والتاريخي والجغرافي في صياغه رؤاها الوطنيه ، تتأخر في لعب دورا رياديا ، وفعال في تخليص الشعب من الحاكم الديكتاتور والإمساك بزمام السلطه وتحويلها الى أداه مؤسسيه تخدم الشعب كلها .
وأخيرا ، تأخر القوى الوطنيه الارتريه له أسبابه ، الموضوعيه احيانا ، واللاموضوعيه في أحايين كثيره . ويظل السبب الأهم ،برأي ، الأغراق المفرط في الوقوف النظري حول هذه الظاهرة او تلك ، أكثر من محاوله إيجاد المخارج والتحرك بفاعليه نحو ما يخدم الفكر الوطني العام .
المجد لشهيد يناير البطل سعيد علي حجاي
والحريه لكل المعتقلين الوطنيين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى