مقالات

واسطة العقد الفريد أبا أسامة…. لقد كان نسيج وحده: صالح عثمان كيكيا

26-Jun-2009

المركز

يوم الأحد الماضي 21/06/2009م كان يوما حزينا عندي وعند كثير من الإخوة في ساحة العمل الإسلامي الارتري ، فيه أفل نجم وضاء ، وانقضت حياة رجل أفني حياته في خدمة دينه ووطنه وأمته ، وسع قلبه كل الناس بالحب ، ولكنه ضاق بحمل ذلك الجسم النحيل الذي أضناه هم الوطن وحب الانعتاق. الأستاذ صالح علي صالح

فارس آخر ترجل عن صهوة جواده ، مات واقفا ، ورحل في هدوء . نعاه الي الناعي وبدون مقدمات .. توفي أخونا صالح علي صالح ، قلت (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها . الصبر عند الصدمة الأولي .. ولكنها أي صدمة كانت ؟! إنها صدمة اختارت واسطة العقد الفريد الأخ أبو أسامة ، عرفته في نهاية السبعينات عندما كان طالبا في معهد أمدرمان العلمي ، كان لقاءا عابرا يوم أن جئت للمعهد بمعية الأخ حسن إدريس شيخ رحمه الله والذي كان طالبا في المعهد آنذاك ، قابلت علي عجالة بعض الطلاب الذين كانوا في الداخلية ، ولم تخزن ذاكرتي إلا صورة الأخ الفقيد لان أبو أسامة يدخل القلب دون استئذان ،أحسبه والله حسيبه ولا أزكيه علي الله أنه ممن يقال فيهم ، إذا أحب الله عبدا حببه إلي الناس . بعد ذلك مرت سنوات كثيرة لم نلتقي خلالها ، فقد أخذتني دروب الحياة إلي مواقع أخري ، ولذلك كنت الأقل حظا من بين إخواني أن أصحب هذه الشخصية الفريدة . وبعد عشر سنوات وفي المؤتمر الثالث للحركة كان اللقاء الثاني . وجدته حاضر البديهة ، ذاكرا تفاصيل ذلك اللقاء العابر كأنه قد تم بالأمس القريب ، فقد كان يتمتع بذاكرة قوية وحاضرة ، كما أن اهتمامه بالناس والحفاظ علي علاقاته معهم يفوق حد الوصف . كل لقاءاتي معه تعد علي أصابع اليد ولكنها علي قلتها كانت كافية أن أتعرف علي شخصيته الآسرة ، فهو صاحب شمائل كريمة ، وحديث صادق ، وتواضع جم ، ملء برديه عفاف وتدين . الجلوس إليه ينقلك إلي عوالم المعرفة ، والعلم له من بحره سواحل وأعماق ، ففي التاريخ هو حجة ، ذاكرة حاضرة وذهن متفتح يدير المعلومات في ذهنه ويضعها أمامك في سلسلة مترابطة الحلقات بأسلوب أخاذ . في علم التربية نال درجة علمية مرموقة وإسهاماته التربوية في التعليم بادية للعيان ،مرب فاضل بسلوكه العملي ،عمل مديرا وموجها تربويا في جهاز التعليم الارتري . عرفته الساحة النقابية الطلابية رائدا من روادها وقائدا من قادتها ، وفي المجال السياسي كان محللا بارعا بنظر ثاقب . لقد كان أبو أسامة بحق سلطة معرفية . حياته القصيرة كانت حافلة بالعمل الدؤوب من أجل وطنه ودينه ، انتمي للحركة الإسلامية الارترية في بواكير تكوينها منتصف السبعينات ، ذلك الوقت الذي كان اليسار موضة الشباب والمتبطلين الذين أحكموا سيطرتهم علي مقاليد الأمور في الساحة الارترية ، فكان من يرفع راية الإسلام هاديا لدروب السياسة يعيش وسط هذا الخضم غريبا !! طوبي له فقد أسس مع ثلة قليلة من إخوانه الحركة الإسلامية الارترية في منتصف سبعينات القرن الماضي وظل عاملا فيها بصمت حتي يوم رحيله ، لم يكن يحب الأضواء واعتلاء المناصب رغم جدارته لذلك ولكنه كان يؤثر العمل دون بريق أو ضجيج ليس تهربا من تبعات المسؤولية ولكن تورعاً وإيثار الآخرين . عمل في الأجهزة التشريعيةوالتنفيذية للحركة الإسلامية الارترية ، كان فيها قريبا من مواقع القرار ناصحا وموجها وكاتبا فأثره في كل مفاصل العمل الإسلامي لا تخطئه العين . أبو أسامة داعية من طراز فريد لم يكن ممن يقولون ولا يفعلون ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ولكنه كان قدوة في دعوته ومثال يحتذي ، تقواه الظاهرة وورعه البين ، تواضعه الجم وثغره الباسم ومحياه الوضئ ،، كل ذلك وغيره يدلك علي دعوته ، فيدخلك معه إلي ما فيه خيري الدنيا والآخرة .. حديقةالعمل الإسلامي . إنها الدعوة بالقدوة . والدعوة بالحب . والدعوة بالإيثار. وفي كل ما ذكرت ، كان أبو أسامة نسيجا وحده . صالح علي صالح رجل تخفف من الدنيا ولم يعب منها أرادته .. ولم يردها من وقت مبكر كان يستعد للقاء ربه ويعد له العدة والدليل .. يوم أن قال : ( يا شباب أني أري قرب دنو أجلي فخذوا عني ما عندي من تاريخ وتجربة ) . ذكر لنا هذا الكلام الأخ عمر صالح من طلاب الحزب الإسلامي ونحن في مأتم الفقيد . وفي نهاية المأتم تقرأ علينا الوصية وصية المودع الحبيب ورقة بادي عليها القدم يتناولها الأستاذ صالح أحمد من شقيقه عمر ويقول : أيها الإخوة أن أبا أسامة رحمه الله تعالي ترك وصية مكتوبة بخط يده وجدها شقيقه عمر بين أثوابه ، تحتوي علي جزء عام وآخر خاص . العام لكل إخوانه في العمل الإسلامي . والخاص لأسرته وخاصة بيته ويبلغنا العام منها .. في المبتدأ يسأل الله سبحانه وتعالي أن يغفر له ذنوبه وزلاته وخطاياه يوصي الجميع بتقوى الله . ثم توجه بوصيته إلي إخوانه طالبا منهم العفو والسماح لوجه الله من كل من له عليه مأخذ أو مظلمة . وآخر الوصايا العامة توجه بها إلي المشايخ في قيادة الحزب الإسلامي وأعضاء الحركة الإسلامية بأن يحافظوا علي العهد الذي كان بيننا وأن يثبتوا علي المبدأ ولا يحيدوا عن الطريق ، وأن لا تسقط راية الإسلام في إرتريا وفيهم عرق ينبض لله درك يا أبا أسامة حتي في موتك لا تنسي دعوتك فتكون فيها قدوة ومثال كتابة الوصية لا يفعلها إلا مؤمن متخفف من الدنيا محبا للقاء ربه من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه نسأل الله أن يكون قد أحب لقاء أبو أسامة . وأطرق الجميع نواكث الأذقان وإغرورقت العيون بالدموع ، غالبها البعض وغلبت هي علي الآخرين مآقيهم فانهمرت حري . ما عساه هذا الطاهر أن يكون قد فعل بحق الآخرين حتي يطلب العفو والسماح ، ولكنه إنسان و(كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون) . أما العهد والثبات … فطريق فقدناك فيه والوالد المربي أبو نوال لن نحيد عنه نسأل الله أن يجمعنا بكم غير خزايا ولا مفتونين ولا مبدلين فنم أخي صالح وأسترح من هذا العناء الذي أضناك فقد أبليت بلاءا حسنا ( والله يحب المحسنين ) اللهم تقبله عندك في عليين وأنزله منازل المتقين مع الأنبياء المرسلين واجمعنا به إخوانا علي سرر متقابلين آمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى