مقالات

طبيعة الخلافات بين النظامين الارتري والاثيوبي وحكاية السمنارات(3) : حمد كل*

24-Sep-2011

المركز

بالرغم من التنسيق العسكري الرائع والمتقدم بين الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والوياني تجراي، بالرغم من كل هذا كان هناك على مستوى العلاقات الاجتماعية والسياسية امور يشوبها نوع من عدم الرضى خاصة جانب الوياني تجراي،

فقد كان يئن مقاتليها من سوء المعاملة التي كانوا يجدونها داخل الوحدات العسكرية من مقاتلي الجبهة الشعبية واشعارهم بالدونية، هكذا كانوا يقولون، وعلى المستوى السياسي في فترات سابقة كان الخلاف السياسي بين قيادتي التنظيمين ماثلا للجميع. في احدى الفترات كان الخلاف الايديولوجي من الاتحاد السوفييتي ظاهرا اذ اعتبره تنظيم الوياني تجراي اي الاتحاد السوفييتي عدوا وليس حليفا او صديقا، ظهر ذلك علنا على ادبياتهم، كان الخلاف السياسي اثناء التحالف بينهم وخاصة بين قيادات التنظيمين مرة ياخذ شكله العلني واخرى ياخذ جانبه الباطني، لم يكن يرضي قيادات الوياني تجراي اسلوب الممارسات السياسية لـ “اسياس افورقي” وكانوا يتذمرون، الجبهة الشعبية وعلى راسهم اسياس افورقي لم يكن راضيا عن بعض القيادات داخل الوياني تجراي لارائهم السياسية المستقلة التي تتعارض مع اطروحاته وكانت هذه القيادات تعتقد ان اسياس افورقي يريد ان يهيمنت على تنظيم الوياني تجراي، قيادات الجبهة الشعبية ايضا لم يكن يرضيها احتضان الوياني تجراي لبعض العناصر الارترية التي التجات الى اقليم تجراي بعد انهيار جبهة التحرير الاترية بفترة والتي اطلق عليه اسم “ساقم”.هناك خلاف آخر بين قيادة الجبهة الشعبية والوياني تجراي تمثل في التالي:والقتال يدرور على اشده داخل اثيوبيا والثوار يحققون انتصارات يومية ويزحفون نحو اديس ابابا، يبدو ان قيادة الجبهة الشعبية فكرت ان لا تعطي هذا الانتصار للوياني تجراي لوحدهم بل رات ان يكون تنظيم “الاورومو” شريك في هذا الانتصار وشريك لاي مستجد جديد.لهذا الغرض طلبت قيادة الجبهة الشعبية من القيادة السودانية ان يسمح لبعض وحداتها العسكرية للمشاركة في قتال الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تسيطر في ذاك الزمن على اجزاء من ولاية النيل الازرق وبالتحديد منطقة الرصيرص وتحديدا اكثر “الكرمك وقيسان” بدعم من منجستو هيلي-مريام وجيشه.وبالفعل جاءت الوحدات العسكرية التابعة للجبهة الشعبية وبالتنسيق مع الجيش السوداني وخاضوا القتال وهزموا الحركة الشعبية لتحرير السودان ومعها الجيش الاثيوبي، وتوغلت وحدات الجبهة الشعبية داخل الاراض الاثيوبية الى ان وصلوا الى مدينة “أسوسا”، وهناك بدأو بتسليح وتدريب مقاتلي “الاورومو” للزحف بهم الى اديس ابابا.هذه العملية اعتبرتها قيادة الوياني تجراي خروج على الاتفاق بينهم وبدؤو يتشككون في نوايا الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا.هذه الخلافات استمرت حتى بعد استلام الوياني تجراي الحكم، اذ بعض قيادات الوياني تجراي طالبت ملس زيناوي بفض الشراكة او العلاقة مع الجبهة الشعبية واتهموا ملس زناوي بانه متحيز للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا بشكل خاص ولارتريا بشكل عام لان امه ارترية. يذكر ان الخلافات قد تصاعدت داخل الوياني تجراي وتم عزل بعض القيادات وسجن آخرين، لكن يمكن ان نقول لم تكن الخلافات بينهم بسبب الجبهة الشعبية لوحدها بل كانت هناك خلافات اخرى داخلهم ادت الى هذا العزل والسجن، يذكر مع قرب تحرير اديس ابابا تحالفت الوياني تجراي مع بعض التنظيمات الصغيرات من “الاورومو” و “الامهرا” و ” العفريين” وشكلوا تجمعا سموه “الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب اثيوبيا” (اهودق). وبالرغم من كل ما ذكرناه من خلافات الا ان التنظيمين واصلا تحالفهم وقتالهم ضد نظام منجستو الى النهاية تاركين جانبا خلافاتهم. يذكر بعد استقلال ارتريا بسنة قابل بعض الارتريين في اديس ابابا شخصية مهمة وهو السيد “سبحت نجا”، في هذه المقابلة قال لهم انتم الارتريين قاتلتم ثلاثون عاما، ونحن قاتلنا ايضا من اجل ارساء الديمقراطية في اثيوبيا، انتم ستقاتلون الان ثلاثون عاما اخرى لارساء الديمقراطية في ارتريا. اوساط الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وبالتحديد كوادرهم كانت تردد ان الرئيس اسياس افورقي منذ بدء تعامله مع الوياني تجراي كان ضد انفصال تجراي من اثيوبيا.بعد منتصف الثمانينات من القرن الماضي تاكد للامريكان عاملين اساسيين الاول ان الثورة الارترية صعب ان يهزمها نظام منجستو هيلي مريام وفي اثيوبيا ازدادة الحركات المسلحة واهمها تنظيم الوياني تجراي، في هذه الفترة ظهرت الاتصالات بين الامريكان والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا خاصة في “اتلانتا” و “نايروبي” والمقابلة التي تمت بين الرئيس اسياس افورقي و “جيمي كارتر” في مطار الخرطوم، ربما كانت هناك اتصالات اخرى قبل هذه الفترة او بعضها لم يكشف عنها. ايضا كانت هناك اتصالات بين الامريكان والوياني تجراي، كان للامريكان ايضا تواصل من الاتصالات ايضا مع بعض القيادات في المجلس العسكري الاثيوبي. منجستو هيلي ماريام بعد استلامه للحكم كان يستقبل في “موسكو” استقبال الفاتحين، وكان تقدم له مساعدات بدون حدود من مساعدات عسكرية وغيرها، كانت اثيوبيا ايام الامبراطور هيلي سلاسي تملك جيشا من اربعة فرق اما في زمان منجستو هيلي مريام فاصبح الجيش الاثيوبي احدى عشر فرقة، وكانت اوروبا الشرقة تدعم في نفس الاتجاه “وكوبا” ساهمت بشكل كبير المليشيات الاثيوبية، وكان منجستو هيلي مريام كلما ذهب الى موسكو تجاب كل طلباته، وبالرغم من كل هذا الستليح والجيوش الجرارة كان يصاب بهزائم نكراء في الحروب خاصة في ارتريا، وكان نظامه معزولا على مستوى الغرب وافريقيا بشكل عام باستئناء زمبابيو والدول العربية. في اغسطس 1988 كانت له آخر زيارة لموسكو، في هذه الزيارة التقى برئيس جديد للاتحاد السوفييتي، في الكرملين تم لقاء بينه وبين “جورباشوف”، وكالعادة تقدم منجستو هيلي ماريام بمطالب جديدة لكن جورباشوف قال له حديثا لم يعهده من قبل وكاد ان يسقط من كرسيه، قال له جورباشوف ان الاتحاد السوفييتي يمر باسوأ حالاته وليس لنا اي امكانية لتقديم المساعدة لك، ويبدو انك لم تقراء كتابينا “البروسترويكا” و “الجلاسنوسيت”، انت وكنصيحة في حاجة الى سلام وليس الى سلاح فننصحك ان تبحث عن حلول للسلام في بلدك وايضا معك اخوانك في اليمن الجنوبي، كما واننا نامل ان تسددوا لنا ديون تسليح جيشك والتي تقدر باحدى عشر مليار دولار، وخرج منجستو هيلي ماريام من الكرملين وهو في حال يرثى لها. ويبدو ان الامريكان كان يتابعون هذا الامر، وفورا اتصلوا بعناصرهم في المجلس العسكري الاثيوبي وقالوا لهم ان اثيوبيا امام مفترق طريق اما ان تتمزق او البحث عن حل ينقذها، وقالوا نحن يمكننا ان نساعد في هذا الحل، وهذا الحل هو كالتالي:- 1.ابعاد منجستو هيلي ماريام من الحكم.2.انتم والاهودق بقيادة وياني تجراي والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا اجلسوا معا وتفاوضوا لاقامة حكم في اثيوبيا يتالف من القوى الثلاثة.ويبدو ان هذا الامر قد طرح على الرئيس اسياس افورقي والرئيس ملس زيناوي (قيل لاسياس افورقي اقبل مؤقتا هذا الحل وسنرى موضوع ارتريا بعد اربعة اعوام)، لكن لشئ كانو يخططون له قالوا اننا لا يمكن ان نبدي راينا في هذا لامر مالم نعود الى قياداتنا ولاحقا سنرد عليكم، هذا الكلام كان موجه للامريكان وكان فيه نوع من الذكاء. اعتقد ان الامريكان كانو يعلمون عن الاوضاع في ارتريا واثيوبيا عمومياتها وليس بتفاصيلها الدقيقة لانهم في النهاية فوجئوا بمستجدات لم تكن في الحسبان. المجلس العسكري الاثيوبي نفذ مطالب امريكا بابعاده لمنجستو هيلي مريام. في تلك الفترة وصل مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا على مشارف العاصمة الاترية اسمرا، وقوات “الاهودق” اصبحت على مشارف العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، وهذا هو الذكاء الذي مارسه اسياس افورقي وملس زيناوي، حين وصلت قواتهم الى هذه المواقع اشعروا الامريكان انهم جاهزون للقاء، وكان اللقاء محدد له في “لندن” العاصمة البريطانية في الاسبوع الثالث من شهر مايو 1991 ويشرف عليه “هيرمان كوهين” مسؤول الشؤون الافريقية في وزارة الخارجية الامريكية في تلك الفترة. تحرك وفد المجلس العسكري الاثيوبي ووصل الى لندن واعلن راديو اديس ابابا ان منجستو هيلي ماريام قد هرب من اثيوبيا متجها الى “زمبابوي” وقال البعض لم يكن هروبا بل كان متفق عليه. وتحرك ملس زيناوي واسياس افورقي الى لندن، في هذه الفترة حدثت تطورات دراماتيكية لم تكن في حسبان المفاوض الامريكي ولا كل المفاوضين. حين اعلن راديو اديس ابابا هروب منجستو هيلي ماريام انهارت معناويات الجيش الاثيوبي بقياداته، فقد شهدت العاصمة الاثيوبية اديس ابابا هروب للجيش الاثيوبي صاحبها نوع من الفوضى في المدينة، وفي ارتريا كان يقال ان الجيش الاثيوبي فيها يقدر بمئة وعشرون الف جندي هذه الجيش العرمرم اخذ بعضه واتجه الى غرب ارتريا نحو الحدود السودانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى