مقالات

مستقبل حلف أبي واسياس بقلم / فتحي عثمان

20-Nov-2020

عدوليس

في ربيع سنة 1994 ناقشت بحثا تكميليا لنيل شهادة الدبلوم العالي في الدراسات الدبلوماسية في السودان وكان عنوان البحث ” تأثير القضية الارترية على العلاقات السودانية الاثيوبية في الفترة من 1969 حتى 1985. ترأس فريق المناقشة حينها الدكتور حسن سيد سليمان مدير جامعة النيلين والذي شغل منصب عميد قسم العلوم السياسية بجامعة الخرطوم والدكتورة محاسن حاج الصافي مديرة مركز الدراسات الآفرو أسيوية بنفس الجامعة والدكتور كمال صالح مدير مركز الدراسات الاستراتيجية. بعد نهاية المناقشة سألني الدكتور سليمان “ما تصورك لمستقبل علاقات ارتريا والسودان؟”

وكانت العلاقات بين البلدين حينها “سمنا على عسل” فقلت له أن البلدين سيدخلان في مواجهة عاجلا أم آجلا، فأستغرب الرد وسألني لماذا؟ فقلت له ببساطة بسبب اختلاف التوجهات الأيديولوجية: فالخرطوم متمسكة بمشروعها الحضاري واسياس لديه مشروعه الخاص، ودللت على كلامي بالخلاف بين البلدين حول العلاقات الارترية الإسرائيلية “الجديدة” حينها. لم يعجب ردي الدكتور حسن سليمان (كان رئيسا لرابطة الصداقة الارترية السودانية) وقال في شبه امتعاض من استاذ لطالبه “البلدان في خط التنمية ولن يضيعا جهدهما في الخلاف”. ووضعت يدي على قلبي مفكرا في الدرجة التي سأحصل عليها على البحث المضني. وقال لي رافعا ما تبقي من معنوياتي التي تشتت على أرضية القاعة: “لو صح توقعك فستكون دبلوماسي ذو شأن عظيم”. ولم تمضي سوى تسعة أشهر عندما قطع اسياس افورقي العلاقات مع السودان وأعلن الحرب عليه لاحقا في حلف بينه وبين ملس زيناوي، وكان وزير خارجية ارتريا أثناء قطع العلاقات في نيويورك، ولم يعلم بقرار رئيسه. وأيضا خاب ظن حسن سيد سليمان في شأني العظيم ولم التق به بعدها.
أحببت مشاركة هذه التجربة الشخصية لأنها ارتبطت عندي بقاعدة مهمة في التحليل السياسي والدبلوماسي وهي “الاعتماد على العناصر الأكثر ديمومة في التحليل والتفسير السياسيين، لأن السياسة عبارة عن رمال متحركة من المصالح والتحالفات المتسارعة الوتيرة”. وبعيدا عن الأماني والرغبات الشخصية والوطنية التي تعمي العيون، أحاول الإجابة بنفس القاعدة على سؤال “إلى أين يمضي حلف ابي اسياس بعد انتهاء الحرب في تيغراي؟”،
وسأفترض أن الحليفين سيخرجان منتصرين في الحرب، ولو نسبيا. وعندما أشير إلى اسياس فأني أضع تمييزا حاسما بينه وبين ارتريا، لأن ما هو في صالح اسياس ليس بالضرورة هو في صالح ارتريا على اعتبار تجربة الثلاثين عاما الماضية. أولا: يخوض الحليف أبي احمد الحرب لأهداف آنية وهي القبض على “زمرة الوياني المجرمة” كما وصفها وهدفه البعيد هو الاخضاع التام لإقليم تيغراي وجعله أمثولة لباقي أقاليم اثيوبيا التي قد تفكر بالانفصال عن اثيوبيا. قد لا يكون النصر بالنسبة له مستحيلا تماما، ولكنه سيكون صعبا وباهظ الثمن إضافة إلى أنه لن يكون تاما مكتملا.
الحليف والشريك اسياس يدخل الحرب، وهو شريك كامل فيها، لدرجة أن وسائل اعلامه لم تنبس ببنت شفة حول الصواريخ التي ضربت العاصمة. وهذا الصمت هو محاولة لعدم تدويل الصراع، لأنه وكما ذكرنا يريد اسياس أن يساهم في القضاء على زمرة الوياني تحت جناح “الشأن الداخلي لإثيوبيا”، لأنه لا يريد أن يظهر تورطه في الحرب وإحراج شريكه ابي أحمد الذي يستعين “بقوى خارجية” للقضاء على تمرد داخلي. وفي هذه الحالة اسياس مستعد لتحمل الجراحة بدون تخدير للحفاظ على ماء وجه حليفه. وأهدافه الآنية هي تدمير الوياني واستعادة الأراضي الارترية المحتلة. والهدف العاجل هو الظهور بمظهر المحرر للأراضي الارترية والقاضي على عدوها “التاريخي”وسيكون هدفه البعيد من هذه الحرب هو تطويل أمد حكمه للبلاد حتى عبر التوريث.واعتمادا على قاعدة العناصر الأكثر ديمومة فإن اسياس، وكما ذكرنا من قبل، لا يستطيع حكم ارتريا بدون أن يكون له عدو خارجي، حتى يضع الشعب الارتري على سطح صفيح ساخن كما فعل في الثلاثين عاما الماضية. السلام هو حالة الموت الأكيدة لرئيسنا الذي لا يهدأ له بال دون حرب، والشواهد التاريخية حاضرة، ولها صفة الثبات والديمومة، فالسلام معناه تسريح الجيوش، والانصراف إلى التنمية والإجابة على الأسئلة وهذه ليست في صالحه. وعليه فإن المرشح الأول لعدواته هم حلفاء ابي أحمد من الوطنيين الأمهرا، وأسباب العداء التاريخي تحتاج فقط لنفخ النار فيها، فهم لا يرون فرقا كبيرا بينه وبين دبرصيون، وهو لن يكتفي بمناصبتهم العداء بل سيسعى الى حربهم، والعدو الثاني هو من يتبقى من قادة الوياني والذين سيستخدمهم “كخميرة عكننة” إذ أن القضاء التام عليهم سيسحب كرتا مهما من يده، وأخيرا السودان الذي لم تتغير نظرة اسياس له بتغير الحكم فيه، بل على العكس أصبح الآن أكثر توجسا من الحكم المدني في السودان، وهو خصم لأي تحول ديمقراطي في المنطقة. ما يبديه اسياس تجاه الخرطوم قابل للتغيير السريع وسوف تثبته الأيام.
وفي ظل المتغيرات المتسارعة من المرجح أيضا أن تدخل العلاقات المصرية الارترية والارترية الإماراتية من جهة أخرى الثلاجة. وعليه فإن اعتماد سياسة خلق الأعداء، والتي درج عليها اسياس وأجادها بشكل لا يضارع فيه، أصبحت هي العنصر الأكثر ديمومة في تفسير وتحليل توجهاته وكيف ستؤثر على علاقة الحلف بينه وبين أبي احمد والذي يبدو، مما سبق ذكره، أن أجله وحبله قصير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى