مقالات

وهن النظام لا جدال فيه.. فما أحوجنا لمقاومة فعالة بقلم: يوسف ابراهيم بوليسي

13-Oct-2014

عدوليس ـ ملبورن – بالتعاون مع إذاعة المنتدى

يرزح شعبنا منذ الاستقلال في العام 1991 تحت وطأة القمع والتسلط الديكتاتوري البغيض.. وخلال هذه السنوات خلقت الطغمة الحاكمة نظاماً اكثر استبدادية من سلفها الاحتلال الاثيوبي الذي عاركناه طوال ثلاثة عقود ببطولة وعزيمة لم يلينا على الاطلاق. وحاول النظام منذ بداية مسيرة دولتنا الوليدة على غرس مفهوم الخنوع دون مسائلة الى رموز السلطة في اذهان

الناس…. وتمادى عمدا في انتهاج خطوات متطرفة هدفها القضاء على مؤسسات المجتمع الاجتماعية، السياسية والاقتصادية وحتى الدينية، او حوَلها الى مؤسسات تابعة، او استبدلها بمؤسسات صارمة تستخدم للسيطرة عليه (اي المجتمع)… ومحصلة كل ذلك اصبح شعبنا اكثر تشتتاً وصار عبارة عن كتلة من الافراد المعزولين الذين لا يستطعون العمل معاً لنيل الحرية أو نيل ثقة بعضهمالبعض ولسنوات قريبة حتى المبادرة بأي شيئ يقود لتخليص شعبنا من جحيم التسلط والقمع الديكتاتوري كان من قبيل المستحيلات. في بداية التحرير، والناس في قمة سُكرها بفرحة الاستقلال، انبرى الامين العام للحكومة الارترية المؤقتة انذاك والرئيس الذي نصب نفسه الهاً على البلاد والعباد بعد ذلك- اسياس افورقي- اقول انبرى يتحدث في مقابلة مع صحيفة عربية لا تسعفني الذاكرة في استحضار اسمها الآن، عن الديمقراطية وحرية التعبير وتعدد الاحزاب والحق في التظاهر والاجتماع الذي سوف تكفله الدولة الوليدة لشعبها، وكما قال مستطرداً “ان عملية التحرير لا تكتمل الا بتطبيق الوعود التي قطعناها على انفسنا المتمثلة في تحقيق الحقوق الاساسية للانسان في بلادنا” لكن وفي نفس تلك اللحظة التي كان يتحدث فيها مع الصحيفة… والناس سُكارى، كانت اجهزته الامنية تقوم بتشميع أحد المكاتب الذي أُنشأ بمبادرة من بعض شباب المهجر وكان معنياً بتعليم مفاهيم حقوق الانسان وترسيخ مبادئه الاساسية، واذكر ان رد فعل أحد هؤلاء الشباب على القرار كان عنيفاً وحماسياً للغاية، حيث طرق كل الابواب وقام بإتصالاته بالاشخاص الذين يعتقد ان بامكانهم مساعدته على إعادة فتح المكتب الحقوقي ولكن باءت كل محاولاته بالفشل الذريع، بل تم تهديده بالملاحقة القانونية وعواقب اخرى اكثر صرامة …والعاقل يفهم.. ما تعنيه عبارة اكثر صرامة. وبعد ذلك استمر مسلسل التنصل عن كل الوعود وبدأت مرحلة تجسيد شخصية الرئيس الاوحد وتأليهه عبر قمع كل تحرك اصلاحي وتقليص صلاحيات المؤسسات التنظيمية والسياسة وبالتوازي خلق مؤسسات امنية قمعية الى ان وصل بنا الحال الى ما نحن عليه الآن التي تجسدت فيها مقولة “أن الثورات الشعبية العادلة غالباً ما تواجه بممارسات قمع وحشية تقتل ما تبقى من امل لدى الناس”. وهو ما يحكي عنه واقع الحال الآن في داخل ارتريا على الرغم من أن المعارضة في الخارج مرت بمراحل حققت فيها نجاحات مقدرة على الاقل في قدرتها على الاستمرار على نهج المقاومة والوقوف الى جانب شعبها المقهور وهو موقف ينبغي ان تفتخر به، ولكن فشلها في توحيد جهودها اثر كثيراً على تفعيل العمل المعارض وهو ما ينبغي ان تتداركه هذه المعارضة في هذه المرحلة الهامة التي تمر فيها البلاد بمنعطف خطير نتيجة لممارسات النظام الديكتاتوري التي أدت ممارسته الى تصنيف ارتريا ضمن الدول الفاشلة وهو وضع يترتب عليه عواقب جد وخيمة على السيادة الوطنية. كما ان على المعارضة الارترية ان تعيد النظر في خيار المقاومة المسلحة لأن الايام اثبتت عدم فعاليته وذلك لاخفاقها في خلق آلية عسكرية موحدة وتشتيت طاقاتها في العمليات المنفردة والتي تقوم بها في فترات متقطعة ولم تشكل تهديدا حقيقياً للنظام، بل على العكس استغل النظام انطلاق اغلب عملياتها من دول الجوار في التفنن بأريحية في خداع الناس عبر ابواقه الدعائية تارة بإلصاق تهمة الخيانة العظمى والعمالة للـ “للويانى” وامريكا بها، وتارة بوصفها بالعناصر القبلية والطائفية التي تسعى الى تفتيت المجتمع الارتري، وهكذا استخدمها النظام في خداع شعبنا سواء في الداخل او بالخارج. وبما ان حتمية الزمن رغم انحناءاته ستلج بنا الى مرحلة ما بعد سقوط هذه الطغمة الحاكمة، ومن ناحية اخرى، فإنه ليس من الوعي ان ندخل الى البلاد باجنحة مسلحة مختلفة يكون الاحتكام فيها الى السلاح بدلا من العقل مما سيؤدي ذلك بالضرورة الى عواقب قد لا تحمد عقباها. وهنا يجب الا يحسب ذلك تقليلاً من دورها في مقارعة النظام طوال السنوات الماضية، ولكنه ايضاً واقع الحال الذي ينبغي عدم انكاره، بالتالي يتطلب منا جميعاً حرصاً معتبراً بغية تغييره الى واقع اكثر نضجاً وفعالية، اذا اردنا فعلاً التخلص من هذا النظام الديكتاتوري وخلق دولة ديمقراطية تسودها العدالة الاجتماعية والمساواة بين مكونات المجتمع والتداول السلمي للسلطة وتكفل فيها جميع الحقوق كحرية التعبير والتظاهر، حرية الانتماء السياسي وتوفير ابسط مقومات الحياة الكريمة لشعبنا.كل الدلائل تشير الى وهن النظام وضعفه … فما احوجنا اذن الى مقاومة فعالة في ظل عدم اعتراف النظام بوجود المعارضة بشقيها في الخارج او تلك التي ظهرت في الداخل بدرجات خجولة مثل التحرك الذي قادته مجموعة من القيادات التاريخية في الجبهة الشعبية واطلق عليه مسمى “مجموعة الـ15“ وذلك في بداية الالفية، او المقاومة الصامتة غير المنظمة من قبل العديد من الكوادر العليا في الدولة، نقول في ظل عدم اعتراف الديكتاتور بوجودها، يصبح مبدأ التفاوض معه اسلوباً غير واقعي على الاطلاق. يتسلط النظام الديكتاتوري على رقاب شعبنا بإتباع الخدع .. لا المبادئ الاخلاقية… لأنه نظام مشوش الاذهان ولم يعي انه في اللحظة التي ادرك الناس فيها امره انتهي مفعول خدعه.. وهو ما يلحظه المرء منذ فترة طويلة وخاصة في هذه الآونة..حيث ظهرت بوادر الوهن والضعف سواء في تخبط خطواته وافراطه في استخدام القوة في قمع تحرك هنا او احتجاج هناك، أو الخوف والهلع الذي بدأ ينتاب عناصره النافذة نتيجة لمقاومة شبابنا لنظام السخرة (الخدمة الوطنية) إن كان بالهرب او بإبتكار اساليب جديدة غير مألوفة ككتابة شعارات مناهضة للنظام على الحوائط وتنسيقهم مع الحركات الشبابية في الخارج في نشر اخبار مقاومة شعبنا هناك. وقد تجلى وهن النظام وضعفه في ظهور الاحتجاجات بين افراد وقادة قوات الدفاع الارترية مثل الحركة الشجاعة التي قادها ” الشهيد ود علي” بالتنسيق مع قيادات حزبية ومدنية عليا في مطلع العام الماضي، وكذا مثل التحرك الذي بدأ يتبلور بشكل واعي وجاد داخل الوطن والذي يتطلب منا جميعاً دعمه وتقويته بكل الوسائل المتاحة، عبر التحرك السياسي المنظم والفعل الاعلامي الصادق والمكثف وتوفير الغطاء الدبلوماسي المناسب. فالنظام إذن بدأ يفقد اركان قوته الاساسية واصبح يعيش ايامه الاخيرة وما تبقى هو تقوية المقاومة بشقيها الداخلي والخارجي، مما يتطلب منها رفع سقف التنسيق المحكم والجيد بينها لاعلى المستويات وبالتالي الانقضاض عليه وتخليص شعبنا من تسلطه وصلفه ولا يمكن حدوث ذلك الا عبر تفعيل التحدي السياسي بإعتباره انجع الوسائل، والتخطيط بذكاء بإستخدام القدرات العقلية للانسان ووضع نهج استراتيجي يستمد قوته من المصادر المتوفرة مما يتيح لنا المضي قدماً نحو تحقيق هدف الحرية والديمقراطية. إن القول الشائع “لا تأتي الحرية مجاناً” هو قول صحيح.. حيث أنه لا توجد قوة خارجية تمنح الشعوب المضطهدة الحرية التي تطمح اليها، بل على الناس أن يتعلموا كيف يحصلون على تلك الحرية بأنفسهم .. وهذا لن يكن سهلاً.. وتجربة ثورتنا اثبت صحة ذلك. فقط، ينبغي ان تكون لدينا خطط واضحة للتحول الديمقراطي بحيث تكون هذه الخطط جاهزة للتطبيق عندما تنهار الديكتاتورية.. لأن هذه الخطط تمنع ظهور زمرة اخرى تقوم بمصادرة جهودنا للمرة الثانية.. „ والمرء لا يلدغ من نفس الجحر مرتين” فتجربة الثورة اثبتت فشل القوى الديمقراطية في التخطيط السليم والعقلاني لفترة ما بعد التحرير مما اضاع علينا مكتسبات باهظة الثمن، لذا يجب ان تكون لدينا خطط واضحة لتأسيس دولة دستورية قوية توفر لشعبنا كافة الحريات السياسية، الاجتماعية والاقتصاديةوالتخطيط الاسترتيجي السليم لا يبدأ ابداً دون تحديد اجزاء هيكلية معينة في النظام الديكتاتوري والعمل على تحييدها او التشويش عليها في ابسط الحالات… في المقابل تحديد الاجزاء التي يمكن الاحتفاظ بها حتى لا يحدث فراغ يؤدي للفوضي او ظهور ديكتاتورية جديدة. وعلينا ان نؤمن ايماناً قاطعاً بان التحرير من النظام الديكتاتوري أمرٌ ممكن جداً ويكون اسرع كلما كان له تخطيط محكم… ونضال دؤوب ومنضبط والاستعداد لتحمل بعض الاثمان الباهظة. ختاماً، يجب الا يعتقد احد ان مجتمعاً مثاليا سيظهر فور سقوط النظام الديكتاتوري المتسلط … فسقوط الديكتاتورية هو بمثابة نقطة البدء التي تحت ظروف حرية افضل تتيح المجال لبذل جهود طويلة الامد لتطوير المجتمع وتلبية حاجياته الانسانية بشكل انسب… ونعتقد ان المشاكل سواء السياسية منها او الاقتصادية او الاجتماعية او جميعها يمكن ان تستمر لسنوات، مما سيتطلب بالضرورة رفع سقف الوعي بين القوى السياسية المختلفة الى اعلى درجاته… فعلى النظام السياسي الذي نطمح اليه أن يوفر فرصا متكافأة امام الناس دون إقصاء أو تهميش طرف من الاطراف أياً كانت الاسباب، هذا اذا اردنا فعلاً استكمال العمل البناء والتطوير السياسي لمعالجة المشاكل في المستقبل.. ولك المجد يا شعبي يا قاهر الظلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى