مقالات

حديث الذكريات والمذكرات( الحلقة الرابعة ) : بقلم / محمد سعيد ناود

2-Mar-2007

المركز

إن منظمة دول عدم الانحياز والمكونة من دول القارات الثلاث في أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية والتي تعقد مؤتمرها السنوي بشكل دائم في أحدى الدول الأعضاء ، تعتبر الابن الشرعي لمؤتمر ( باندونغ ) والذي تكون في أوج الحرب الباردة بين المعسكرين . وقد كتب لي أن أعايش ذلك الحدث أي فترة تكوينه وهو مؤتمر (باندونغ ) ،

وأتفاعل مع ذلك الحدث مثلي مثل كل شباب ذلك العصر الذي كان يحلم بعالم خال تماما من الاستعمار . ولإعطاء فكرة عن مؤتمر ( باندونغ ) نوجز ذلك في النقاط التالية :· انعقد في باندونغ وهي بلدة في جزيرة (جاوا) باندونيسيا . · انعقد في الفترة من 18 إلى 24 أبريل من العام 1955م .· شاركت فيه 29 دولة من آسيا وأفريقيا تمثل أكثر من نصف سكان العالم .· اشتركت فيه تسع دول عربية مستقلة هي : مصر ، سوريا ، لبنان ، السودان ، العراق ، الأردن ، السعودية ، ليبيا في عهد الملك إدريس السنوسي ، اليمن .· من الشخصيات العالمية الشهيرة التي شاركت في مؤتمر باندونغ أحمد سوكارنو رئيس جمهورية اندونيسيا ، شو ان لاي رئيس وزراء جمهورية الصين الشعبية ، جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، جوزيف بروس تيتو رئيس جمهورية يوغسلافيا ، جمال عبد الناصر رئيس جمهورية مصر ، إسماعيل الأزهري رئيس وزراء السودان . إن انعقاد مؤتمر باندونغ كان حدثا هاما تمثلت فيه طموحات الشعوب المناهضة للاستعمار ، كما أن الأسماء المذكورة أعلاه كانت كلها رموزا للنضال ضد الاستعمار في بلدانها وفي العالم ، ونحن في السودان وعند انعقاد مؤتمر باندونغ كنا في منتهى النشوة . وعبر الإذاعات وبالذات ” إذاعة صوت العرب ” من القاهرة كنا نتابع أخبار ذلك المؤتمر ، وكنا نردد أغنية عبد الكريم الكابلي ، والتي نظم ابياتها الشاعر السوداني تاج السر الحسن ، ومن كلماتها : عندما اعزف يا قلبي الأناشيد القديمة ويطل الفجر في قلبي على أجنحة غيمة سأغني آخر المقطع للأرض الحميمة للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو لرفاقي في البلاد الآسيوية للملايو ولباندونغ الفتية إلى أين يقودنا الغرب والرجل الأبيض بعد إ انهيار المعسكر الاشتراكي ؟ إن الحدث الهام للغاية والذي حضرته وعاصرته ، كان انهيار المعسكر الاشتراكي والذي لم نكن نتوقعه أو نتصور حدوثه إطلاقا . وكان ذلك عندما صعد إلى السلطة ( ميخائيل غورباتشوف ) كسكرتير عام للحزب الشيوعي السوفييتي ، ورفع شعار ( البيريستوريكا ) وتعني ” إعادة البناء ” ، والغلا سنوست وتعني ( الانفتاح ) ، وكانت النتيجة انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي بجمهورياته الاشتراكية الآسيوية وبأوروبا الشرقية والتي تحولت إلى دول مستقلة ، ولم يكن السقوط والانهيار بسبب شعارات ” غورباتشوف ” وإنما لأسباب كثيرة ومتنوعة ليس هنا مجال للحديث عنها . وسقوط “جدران برلين ” والذي شاهدته بنفسي قبل سقوطه عند زيارتي لألمانيا كما ذكرت في مكان آخر من هذه المذكرات ، ومن ثم توحيد ألمانيا بشرقها وغربها في عهد المستشار ( هيلمت كول ) ، وانهيار ( حلف وارسو ) وزحف ( حلف الناتو ) إلى حدود روسيا بعد أن أصبحت العديد من دول شرق أوروبا الاشتراكية سابقا أعضاء في المجموعة الأوروبية . وبذا طويت صفحة الحرب الباردة ليدخل العالم في مرحلة جديدة وهي مرحلة ” القطب الأوحد ” . والغرب عموما والذي بدأ حربه ضد الدولة السوفيتية فجر انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في عام 1917م بقيادة الحزب الشيوعي وعلى رأسه ( فلاديمير ايلتش لينين ) ، واستمرت حربه والمعروفة بحرب التدخل الشهيرة وبوسائل عديدة فقد انتصر وارتاح أخيرا بانهيار الاتحاد السوفييتي والذي كان الركيزة لطموحات الأحزاب الشيوعية وكل القوى التقدمية في العالم ، والتي كانت تهدف إلى إقامة منظمات اشتراكية في بلدانها شبيهة بالنظام السوفييتي في روسيا وباقي المنظومة الاشتراكية . وأعود الآن إلى السؤال المطروح كعنوان لهذا الموضوع وهو : إلى أين يقودنا الغرب والرجل الأبيض بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ؟؟ وأبادر بالقول بأنني لا اشعر بعقدة اللون عندما أتحدث عن الرجل الأبيض . كما اعترف بأن الرجل الأبيض وعبر المسيرة الطويلة للبشرية قد حقق منجزات هائلة ومفيدة للإنسانية جمعاء في شتى الحقول ، ولديه صفحات مشرقة من السلوكيات ومبادرات هائلة لخدمة الإنسان بصرف النظر عن عرقه أو لونه في مجال الفكر والمخترعات . وفي هذا فقد كان يحمل الراية التي حملتها من قبله حضارات أخرى في آسيا وأفريقيا مثل حضارة الصين وحضارة ما بين النهرين وحضارة الفراعنة في التاريخ البعيد والتي قدمت إسهاماتها المشهودة لها لصالح البشرية جمعاء . وهذا جانب مضيء ومشرق من تاريخ الرجل الأبيض الذي لايمكن نكرانه أو التنكر له . وبالمقابل فهناك الوجه المظلم من القمر واعني به الرجل الأبيض ، وهذا ما تعارضه كل الشعوب التي عانت منه ، وأنا احد هؤلاء المعارضين . فالرجل الأبيض وأوروبا والغرب عموما وقبل الخروج إلى العالم الواسع فأنه مارس جانبه العدواني وعملية التمييز بين البشر في إطاره الأوروبي ، فمعايير الجمال والتفوق العرقي عنده كان ( الانجلو سكسوني ) الأشقر اللون ، والذهبي الشعر وذو العيون الزرقاء ، والأنف الروماني المستقيم . ومن يتميز بهذه الأوصاف كان يتعالى على غيره من إخوانه الأوربيين ، وهذا في إطارهم الأوربي والغربي . كما أن أوروبا قد مارست العدوان على نفسها قبل أن تمارسه على الآخرين ، فتاريخ أوروبا كان عبارة حروب طاحنة وغزوات متواصلة ضد بعضها البعض . والخريطة الأوربية الحالية تم تغييرها وتبديلها مرات عديدة بسبب تلك الحروب والغزوات التي لم تكن تتوقف إلا لتستأنف من جديد . والرجل الأبيض الأوربي عندما بدأ بالنزوح إلى العالم الجديد بعد اكتشاف قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية وكندا فانه مارس الابادة ضد الشعوب التي انتظرته هناك وأساسا الهنود الحمر مستقلا تفوقه وامتلاكه لأسلحة القتل من السلاح الناري الذي لم تكن تملكه تلك الشعوب ، وأصبح يمتلك الأرض البكر بعد انتزاعها من أصحابها الأصليين وذلك عبر معارك متواصلة . وقد قامت سينما هوليوود الأمريكية بتصوير ذلك الصراع في الأفلام التي كانت تقوم بإنتاجها . وعندما بدأنا بارتياد دور السينما كنا نشاهد تلك الأفلام . وفي إحداها علقت بذهني صورة الهندي الأحمر والذي بعد نجاته من الموت إثر معركة حامية الوطيس خاضها مع الرجل الأبيض أن كرر عبارة white man is not good ) وقد كرر هذه العبارة وبمرارة لعدة مرات . وكانت تلك العبارة بمثابة إصدار حكم ابدي على الوجه المظلم للرجل الأبيض . وإذا كانت جريمة ابادة السكان الأصليين من الهنود الحمر ستظل وصمة عار ، فان الرجل الأبيض أرتكب جريمة أخرى لأتقل عنها بشاعة وذلك بحق الإنسان الإفريقي وهي تجارة الرقيق . وعن هذا الأمر سبق وان كتب البروفسير ( اليكس هالي ) وهو من الأمريكان السود حيث تابع قصة جده الذي تم اصطياده من إفريقيا ونقله بحرا إلى أمريكا وبيعه هناك . وعبر ذلك تابع قصة العبيد والجرائم التي كانت ترتكب بحق الإنسان الإفريقي . وكتب عنها آخرون بتفصيل أكثر ، فمحمد حسنين هيكل وفي كتابه (كلام في السياسة من نيو يورك إلى كابول ) تطرق لكتاب بأقلام أمريكية عن تجارة العبيد . فقد اعتمد هيكل على كتاب بعنوان (colossus ) ويمكن ترجمته ( المارد ) أو ( الطود ) والصادر في عام 2001م في نيو يورك ويتكون الكتاب من 506 صفحة على 38 فصلا ، شارك في وضعه أكثر من ثلاثون مؤلفا . وفي هذا الكتاب حسب رواية هيكل يورد ( جيمس هيدجر ) الذي قام على كتابة الفصل الخاص بـ ( التجارة في الأرواح ) كما سماها ، يورد مجموعة من أوراق إحدى الشركات المساهمة في هذا المجال،وقد ركز فيها على سجلات سفينة الشحن ( سالي ) وقبطانها ( ايسيك هوبكنز ) . وفي سجلات السفينة ( سالي ) توجيه من الملاك ( نيكولاس ، وبراد ، شركة مساهمة ) يقول للقبطان ( أننا نثق فيك وفي إخلاصك لنا ، وخدمتك لمصالحنا ، ونحن نفوضك بان تذهب إلى شواطىء إفريقيا ( شاطىء غينيا ) وتشحن سفينتك بمن تستطيع أن تجلبهم من العبيد ” بالوسائل التي تراها ، وأنت مخول أن تبيع وتشتري منهم كما تشاء في طريق رحلتك إلى أمريكا ، عندما تتوقف في جزيرة ” بار بادوس ” ونذكرك طبقا للعقد بان حصتك هي 4 عبيد ، مقابل كل 100 من العبيد للشركة ، تضاف إلى هذا نسبة 5%من ربح الحمولة عندما يتم بيعها ، ونريد أن نذكرك بان السرعة في هذه التجارة مطلوبة لان الحاجة إلى اليد العاملة ماسة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى