مقالات

أولوية المرحلة فك إشتباك الأولويات بقلم / علي موسى

12-Jun-2014

عدوليس نقلا عن إذاعة المنتدى

أن أي مقاومة لا تمتلك فلسفة فكرية خاصة بها ، تصبح كالسفينة التي فقدت قائدها وبوصلتها فتتقاذفها الامواج .بناءًاعلي ذلك علينا التعرف علي إستراتيجيتنا وإستراتيجية الطاغية بدقة متناهية . وهنا بادئ ذي بدء المسألة تستلزم الإقرار بأن الصراع في أرتريا الحالية هو بين معسكرين أساسيين ، معسكر الزمرة الإستبدادية من جهة ومعسكر بناء دولة مدنية ديمقراطية من جهة أخري ، بمفردات أخري معسكر الديمقراطيين مقابل معسكرغير الديمقراطيين . والدعوة لهكذا إصطفاف ليست بدعة بل هي من بديهيات الأمور، فكل تجارب الشعوب التليدة والحديثة تشير إلي هكذا إصطفاف بهدف إسقاط الأنظمة الفاسدة . وبالإلتفات إلي واقعنا، نجد أن بعض قوي المقاومة تُدْخِل ساحة المقاومة في أجندات ليست من أولويات المرحلة، كالاستقرار في الماضي وبعض إفرازات الحاضربصورة إنتقائية سالبة تعمق جراحات أنتجتها سياسات الدكتاتورية، كذلك الحديث بصورة معطلة عن مرحلة ما بعد سقوط الإستبداد دون مراعاة أهمية إيجاد خطاب يراعي ويجمع مصالح قطاع واسع من الشعب عبرتبديد المخاوف عن البديل . أن التعاطي الجامد مع المتغيرات يباعد بين قوي التغيير الديمقراطي ويوسع فجوة عدم الثقة بينها ويعيق فاعليتها . وكل ذلك بالتأكيد لا يخدم أولويات المقاومة الارترية ويصب مباشرة في إطالة عمر ذلك النظام الظالم الجاثم علي صدر شعبنا .

أن طبيعة تباين الآراء وتعددها شيئ طبيعي يمكن تفهمه ، علي أساس تنوع المرجعيات الفكرية والثقافية والتجارب والقيم والتباين النسبي للمصالح، بل أن أحد أهم غايات نضالنا هي من أجل بناء أرضية تؤمن التعدد السياسي ، لهذا المتوخي ليس التوحد التنظيمي ، بل إيجاد توافق علي أولوية وإستحقاق الظرف التاريخي، والمتمثل في تقديم أهمية إسقاط النظام المغتصب لإرادة الشعب وإستبداله بنظام تديره الإرادة الشعبية ، ووضع هذا الاستحقاق في المقدمة عن أي إستحقاقات أخري . وذلك عبر تبني خطاب موحد يعري الدكتاتورية ويوضح صورة المستقبل ،وخلق تنسيق وثيق في البرامج الإعلامية والجماهيرية والقانونية وغيرها،وتحقيق التلاحم بين الشعب ، ليحتشدوا خلف أولوية إسقاط الدكتاتورية، وهذا لا يعني أن لا يدافع كل قطاع عن مصالحه، بل يعني عدم مطالبة قوي المعارضة بمنح ما لا تملك فالكل في مربع واحد خارج السلطة فَمَن يطالب مَن ومتي ؟! .
ضمن هذا الواقع الضاغط ، يترقب الشعب الارتري بشغف القابض علي الجمر،أن يري ويلمس حراكا حقيقيا من قواه الداخلية والخارجية يزيل عنه الكابوس الجاثم علي صدره، ويحقق حلم الإنقضاض علي العصابة التي إنتهكت حقوقه وأذاقته الذل والهوان . وهذا لا يتحقق إلا برص قدرات المقاومة حول هدف أساسي وقضية مركزية واحدة تنال الأولوية دون سواها من المكاسب الحزبية والهوياتية والمناطقية والطبقية والفئوية وصراع الاجيال وتباين الخلفيات كالقديم والجديد وشعبية وجبهة وغيرها ، علي أن تضع قوي المقاومة خارطة طريق دون إقصاء أي طرف لحجمه أو معتقده أو فكرة، مادام عبر عن معاداته لعصابة الإستبداد في ارتريا ، ثم تفعل خارطة العمل علي أرض الواقع ، سعيا لتحقيق هدف المقاومة الأساسي ألا وهو تفكيك النظام الدكتاتوري من جذوره ومعالجة الآثار السالبة الناجمة عن سياساته الظالمة
أن الديمقراطية التي نسعي لسيادتها تقوم علي مبادئ متفق عليها، وأهم مبدأ فيها هو مشاركة الجميع في العملية السياسية وقبول الآخر المختلف ، وهذا لا ينبغي أن يوقعنا في خلق صورة مشوهة لهذه القيم الفكرية والاخلاقية، عبر أخذ الحوار إلي مدارك سحيقة توحي للشعب بأن الديمقراطية خطر علي الوحدة الوطنية ، إذ ليس بخاف علي أحد محاولة العصابة الحاكمة لدمع الديمقراطية بمفهوم مشوه لتبرير تنصلها منها ، إذ تصفها بالمعيقة والفوضوية وخطر علي الوحدة الوطنية، رغم أن التشرذم الماثل أمامنا ، قائم علي خلفية غياب الديمقراطية .
أن أولي المهام التي لا تحتمل التأجيل هي ضرورة خلق تباين واضح بين ديمقراطي وغير ديمقراطي ، والتركيز في الإستقطاب علي هذا الاساس وأن ينال أولوية قصوي، والنأي عن فخ الإستقطابات من نوع علماني وغير علماني أوعلي أساس هوياتي ثقافي مكاني عرقي ديني ، لا غضاضة من تعدد المنظمات والتكوينات المطلبية فهي أسس لاحزاب الغد ، لكن ما ينبغي أن نركز علية ضمن برنامج الاولويات هو الإتفاق علي المبادئ العامة للديمقراطية ،ونعمل وفقا لأركانها الاساسية ميثاق عمل نهتدي به كخارطة طريق لإسقاط النظام الدكتاتوري ، ووضع أسس لمرحلة إنتقالية يشارك فيها الجميع
لهذا المطروح هو وحدة الهدف والإنقياد به وليس وحدة الأطر التنظيمية والمكونات المطلبية ، أما غير ذلك يعني طرح أجندات ما بعد سقوط النظام قبل أوآنها وإنشغال قوي المقاومة بصراعات تلك المرحلة ، ودخولها في حروب كلامية ، تلهيها عن مجابهة الطغمة الظالمة . أن القول إما برنامجي أو الطوفان هو موقف يتناقض وقواعد العملية الديمقراطية فضلا عن كونه يتناغم وما يطرحة نظام الطاغية ، وهذا يعني وضع العربة أمام الحصان . أن حق المشاركة يجب أن يصان لكل ارتري في الحاضر والمستقبل، و أن يهيئ كل مواطن نفسه للدفاع عن حقوقة بالوعي والفاعلية ،كما يحق لكل جهة أن تطرح رؤيتها علي عامة الشعب الارتري وفقا للقواعد الديمقراطية
نحن في نهاية مرحلة أفلست فيها نظرية الإستبداد ،وعلي أعتاب مرحلة مخاض ديمقراطي كبير. فالمتغيرات الكبيرة الحادثة في تنامي الوعي الشعبي بماهية الإستبداد وقبضته المميته، وإنزلاق النظام الحاكم بتبرير إخفاقاته بصورة ممجوجة بالمؤامرة الخارجية، وإضطراره تحت الضغوط الخارجية والداخلية للولوج في حملة علاقات عامة سياسية. ومع هذا ورغم هذه المتغيرات الإيجابية المبشرة بإقتراب مستقبل إنعتاق شعبنا من العبودية ، إلا أنه يجب التأكيد هنا علي مفهوم غاية في الأهمية ، ألا وهو إذا لم يتمكن الشعب الارتري وقوي المقاومة من إستثمار هذه المتغيرات الإيجابية في الوقت المناسب وبالصورة المُثلي ستدخل ارتريا في مفترق طرق حقيقي، وسينقلها الطاغية من ساحة سجن كبير إلي زنزانة ضيقة مفتاحها دستوره الذي يَعِد له . والتاريخ الارتري علمنا بأن الثورة الارترية بعدم قدرتها علي توحيد جهود فصيلا الثورة في اللحظة التاريخية المناسبة أعاد ثورة شعبنا التي حررت حينها 96% من أرتريا، أعادها من أبواب أسمرا . لهذا نقول أن المرحلة حساسة بما فيه الكفاية ولا تحتمل التراخي وتفويت المعطيات الإيجابيةوعلي مثقفي أرتريا الإسهام بالتحليل العقلاني والعلمي الذي يسهم في تقصير عهد الإستبداد ، فالمشهد الارتري لا يحتمل مثقف مترفع ،المرحلة في حاجة لمثقف لا يحلق فوق المواقف ، كما إنها ليست بحاجة لمثقف منحاز لأولوياته الحزبية وغيرها ، بل هي في حاجة لمثقف منحاز إلي المبادئي والقيم العامة للعدل والديمقراطية .ل لنتعاهد بأن البديل هو دولة العدل والديمقراطية، تُحْفَظ فيها حقوق الجميع، شرط أن يكون الجميع حاضرا بالفعل حاليا ومستقبلا ،ونعمل فيها بتغيير جذري لكل سياسات الدكتاتور وآثاره،وعلي أساس هذا تراعي قوي المقاومة الديمقراطية أولويات المرحلة وتتبني خطاب موحد وتنسق بشكل فعال الجهود فيما بينها ،لننتزع البلاد من مخالب مفترسها، لصالح الشعب الأرتري بكل مكوناته ،حقا نحن في نهاية مرحلة أفلست فيها تماما نظرية الإستبداد ،وعلي أعتاب مرحلة مخاض ديمقراطي كبير، ينبغي أن نفعل إستحقاقاتها لنهزم الإستبداد مرة وإلي الأبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى