مقالات

بناء الثقة هو جسر العبور : الى التغيير الديمقراطي والتعايش السلمي بين مكونات الشعب الاريتري – حسن أسد

5-Jun-2009

المركز

ينظر البعض الى تشكل التكتلات وسط فصائل المعارضة الاريتريبة بعين الريبة خشية تأثيرها سلبا على الوحدة الوطنية، اي بصورة أدق تبلور انقسامات طائفية او جهوية من شأنها ان تجر الساحة الى صراعات انصرافية بعيدا عن هدف التغيير الديمقراطي واقامة دولة العدالة والتعايش السلمي بين مكونات الشعب الاريتري. تخوف مشروع ولكنه لايبرر القبول بالواقع السياسي المأزوم الذي تعيشه الساحة، والهروب من أخذ مبادرة لمعالجته هو عين الخطأ الذي يمكن ان يجر الساحة الى تلك الصراعات، . لقد نشر أحد الكتاب في موقع (عواتي) مقالا باللغة الانجليزية بتأريخ 16 مايو 2009م رسم فيه صورة سوداوية لمستقبل اريتريا Nation in labor تحت عنوان أمة في مخاض بافتراض ما يجري من تقارب وتوجهات لتشكيل تكتلات بين بعض تنظيمات التحالف الديمقراطي بمثابة تطورات سلبية تقود الى زج البلاد في صراعات بين المنخفضات والمرتفاعات والذي غالبا ما يفسر بكونه صراع بين المسلمين والمسيحيين في اريتريا . واحسب ان هذا الافتراض خاطئ للاسباب التالية:

انه يقوم على اساس انكار وجود أزمة سياسية نابعة عن غياب الثقة المتبادلة بين أهل المرتفعات والمنخفضات، وان هذه الازمة لها جذور تأريخية وليست وليدة اللحظة .2-يستعير الكاتب بافتراضه هذا بقصد او دون قصد حجج وذرائع النظام في تبرير سياساته الاقصائية والتي يجسدها شعار( شعب واحد قلب واحد) والتي فاقمت الازمة ووضعت اريتريا على مفترق الطرق.3- يستعير الكاتب كذلك اسلوب التشكيك الذي درج عليه النظام بتوجيه تهم التبعية لقوى خارجية ضمنها ( المخابرات الامريكية سي أي اي) ضد كل معارضيه عندما ربط تشكيل جبهة التضامن الاريتري بما يجري في السودان فقفز الى استنتاجاته الخطيرة لمألات برناج جبهة التضامن الاريتري،ويتضح من السياق العام للمقال ان الكاتب يستطير أصلا من ميلاد جبهة التضامن اريتري فحسب.4- يتجاهل الكاتب بقصد او دون قصد تأكيدات كل الاطراف المعنية بحراك التقارب والتكتلات ومن بينها جبهة التضامن على حرصها على الوحدة الوطنية وسعيها الجاد لبناء الثقة بين مكونات المجتمع الاريتري على اساس العدالة والمساواة و الاعتراف بالاستحقاقات المشروعة لكل المكونات، كما يتجاهل الكاتب تأكيد جبهة التضامن حرصها على حقوق كل المستضعفين وليس المسلمون وحدهم . وبقدر ما يتحمل النظام الحاكم مسئولية توظيف هذه الازمة لتعزيز قبضته الدكتاتورية وجعل اريتريا رهينة لارادته، يتحمل ايضا كل من يحاول ان يقفز فوق هذه الازمة والهروب من السعي لمعاجتها من خلال دراسة جذورها التأريخية مسئولية مماثلة. نعلم تماما ان ارهاب النظام طال كل الفئات والمكونات ولم يعد المسيحي بمنائ عن بطش نظام اسياس وهذا هو التطور الطبيعي لفكرة الاقصاء يبدء جزئيا ولكنه ينتهى بالشمول. ونعلم كذلك ان نظام أسياس القمعي له زمرة من الشركاء المسلمين على مستوى الاطر القيادية في حزبه الشمولي وهياكل دولته القمعية، اتخذ منهم أدواتا لانكار استحقاقات المسلمين الثقافية والدينية والاعتداء على حقوقهم التأريخية على الارض بتطبيق خطط التغيير الديمغرافي، ويتخذ منهم ايضا ادوات طيعة لتنفيذ برنامجه لقمع الاصوات الحرة من المسيحيين ولتمريرالقرارات الفردية وادعاء وجود ممارسة ديمقراطية. نعم النظام وحده يتحمل مسئولية افراغ الاستقلال الوطنى من مضمونه والتدهور السياسي والاجتماعي والامني والاقتصادي، الا ان الحقيقة الجوهرية التي لا ينبغي تجاوزها هي الخلفية السياسية التي افرزته. اليس هذا النظام هو وليد صراعات القوى السياسية التي زجت فيها القوى الاجتماعية المتنوعة بالتضليل وانعاش التناقضات الثانوية؟ الم تنتقل تلك الصراعات الى صفوف الثورة الاريترية من أجل تحرير التراب الوطني ؟ اليس هذا النظام هو امتداد لنظرية نحن واهدافنا وترجمة عملية لها على الارض ؟ أوليست نظرية نحن وأهدافنا نظرية انعزالية قائمة على خطة اقصائية لفرض هيمنة ثقافية وسياسية واقتصادية محددة ؟ وماهي درجة انحراف النظام عن برنامج نحن واهدافنا بأتجاه أفق وطني ؟ اعتقد ان هذه الاسئلة مشروعة وضرورية لاشتقاق التوصيف الصحيح لطبيعة النظام وفلسفته، وأذكر انني قلت في مقال سابق ان الجدل الدائر حول توصيف النظام هو جدل عقيم يمثل التهرب من الخوض في جوهر الازمة وجذورها التأريخية،وما زالت هذه قناعتي، واضيف ان هذا النظام تنطبق عليه كل معاني التوصيفات مثار الجدل وبمجملها تكتمل صورته وملامحه. ومن الاجدر على قوى المعارضة الاريترية ان تهتم وتنشغل بسبل معالجة الازمة بالرجوع الى جذورها التأريخية بدلا من الغرق في تعريفات متباينة للنظام الدكتاتوري . اذا كانت حجة البعض في نفي صفة الطائفية عن هذا النظام هي تشكيلة السلطة الدكتاتورية التي تضم صور من واقع التنوع الاريتري، فهذه ليست حجة كافية، فقد ضم الاحتلال الاثيوبي في ألية حكمه لاريتريا صور ورموز من واقع التنوع الاريتري ايضا، فهل كانت تسمية الحكم الاثيوبي بالاحتلال تسمية خاطئة ؟ واذا كانت حجة البعض الاخر في تأكيد الصفة الطائفية على النظام قائمة على الهيمنة الثقافية وسطوة طبقة فوقية على مقاليد السلطة الفعلية في البلاد من فئة معينة، فقد كانت هذه الطبقة من ذات الفئة صاحبة سطوة مماثلة في حكم الاحتلال الاثيوبي ومع ذلك انحازت امتداداتها الاجتماعية الى صف الثورة ضد الاحتلال الاثيوبي لانها كانت ايضا ضحية ذلك الاحتلال وليست المستفيدة منه بقدر استفادة نخبها السياسية. وبرغم المرتكزات الطائفية التي بني عليها وانطلق منها نظام أفورقي( برنامج نحن وأهدافنا) الا انه قد فشل في تحقيق استقطاب طائفي يتخذ منه رصيدا شعبيا لنظامه القمعي ولم يفلح في تسويق الفتنة بين مكونات الشعب الاريتري حيث تعكس شمولية الرفض الشعبي لهذا النظام فشله في هذا الاتجاه، ولعل هذا الفشل يمثل فرصة تأريخية للقوى الوطنية المتمثلة في تنظيمات المعارضة والمثقفين الاريتريين الحريصين على مكتسب الاستقلال الوطني ووحدة اريتريا ارضا وشعبا، أن يعملوا بجدية من أجل القضاء على عوامل اعادة انتاج الفتنة وسد كافة منافذها من خلال حوار وطني مسئول يتسم بالشفافية والوضوح ومتحرر من ذهنية الهيمنة، حوار ينفذ الى اعماق الازمة الوطنية وخلفياتها التأريخية عبر مناقشة كل أشكال المخاوف والشكوك السائدة بين مكونات الشعب الاريتري، حوار يجعل من الحرية والعدالة ووحدة اريتريا والاريتريين أهدافه العليا، حوار يهدف الى اقتلاع كل أشكال وبذور الفتن التي زرعها النظام وأدت الى تعميق أزمة الثقة وتفاقمها بين شرائح المجتمع الاريتري، حوار يتجنب فلسفة شعب واحد قلب واحد للقفز فوق حقيقة التنوع بهدف احتواء واذابة المكونات تحت مظلة هيمنة ثقافية أحادية، حوار يستكشف حكمة الوحدة في عبقرية التنوع.ان مبادرات التقارب والتوحد بين فصائل التحالف الديمقراطي الاريتري يمكن أن تمثل مقدمات انحسار لواقع التشرذم في خريطة القوى السياسية الاريترية، وينبغي أن تقرأ باعتبارها نقطة تحول جديدة من شأنها ان تسد مسارب الانزلاق الى أطر وعصبيات ضيقة تزيد المقسم تقسيما وضعفا، انها بمثابة تجميع لاجزاء صورة الوطن وحروف الهوية الوطنية التي بعثرتها رياح الازمة الوطنية المستطالة، وفوق كل ذلك انها مطلب جماهير الشعب الاريتري وبالتالي هي مدخل لاستنفار طاقاتها وتنظيم صيغ مواجهتها للدكتاتورية. ومع انني لااتفق مع تصنيف التكتلات على اساس المرتفعات والمنخفضات او المسلمون والمسيحيون لانها ليست دقيقة، الا انني اقول ان منخفضات متفقة على تصور للمشروع الوطنى ومتفقة في تحديد تظلماتها واستحقاقاتها المشروعة خير من منخفضات مبعثرة المواقف ومتناثرة المطالب،ومسلمون متفقون على استحقاقات مشروعة وعلى مشروع اريتريا الواحدة خير للوطن من مسلمون متناحرون ومختلفون على الاستحقاقات والمشروع الوطني، وهذه المعادلة تنطبق على مسمى المرتفعات او المسحيين، اننا نسعى ان نجعل من جهود التقارب وانبثاق التكتلات السياسية سبيلا لتحقيق مشاركة شعبية واسعة ومنظمة في رسم خارطة طريق التحول الديمقراطي واقامة دولة القانون والعدالة التي تنشدها كل طوائف شعبنا الاريتري، ونأمل ان نهيئ بها المسرح الوطني لحوار بناء ومثمر ولا نريدها ان تكون استعدادا للممارسة لعبة جر الحبل التقليدية كما يخشى الكاتب حامد سلمان في مقال له باللغة الانجليزية بتأريخ 30 مايو2009م تحت التباعد. Drifting apart

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى