مقالات

هل أصيبت اسمرا بمتلازمة (الفشل المتعدي)!؟ : محمد صالح عبد الله*

31-Oct-2010

المركز

ما المقصود بمصطلح الدولة الفاشلة أو “Failed State”؟، وما هو معيار الفشل الحقيقي الذي تشنف به وسائل الإعلام اذاننا خاصة الغربية منها ونخص الغربية لأنها هي أول من أطلق هذا التوصيف منتصف تسعينات القرن الماضي على بعض الحالات التي ظهرت في أوروبا الشرقية وعممته بعد ذلك، ثم نقلت عنها وسائل الإعلام في الشرق الأوسط والمنطقة العربية وأفريقيا، وأصبح هذا التوصيف “المخيف” متداولا لدرجة انه اعتمد في كثير من المناسبات وبات يزاحم مقاييس أخرى عريقة ومتعارف عليها.

لكن أيهما أحق بان يطلق عليه توصيف “الفشل” الدولة بكل تكويناتها البشرية والمادية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعدلية والأمنية أم النظام الذي يديرها؟..أم ان الحال من بعضو كما يقال طالما إن النتيجة واحدة هي “الفشل” وتردد مصطلح الدولة الفاشلة كثيرا في منطقتنا “القرن الأفريقي”وذكرت أسماء دول مثل الصومال والسودان قبل أكثر من عشر سنوات ودول أخرى مثل اريتريا موضوعنا في هذا المقال، كما تحذر القوى الأولى من ميلاد دولة فاشلة أخرى في جنوب السودان، هذا فضلا عن ان القرن الأفريقي كله يوصف بمنطقة تعيش حالة من الفشل بشكل أو بآخر لأسباب متعددة.وفي محاولة لتوخي الإنصاف وإجراء مقارنة موضوعية بين دولة اريتريا وهي باعتقادي دولة كاملة الأهلية ومكتملة الأركان، مع إقليم ارض الصومال او جمهورية ارض الصومال، او صومالي لاند فهناك خيارات لا باس بها في اسم هذا الجزء من الصومال، وبالمناسبة هذه الجمهورية المعلنة من طرف واحد في العام 1991 وغير معترف بها دوليا استحقت وبجدارة أن تحظى باهتمام الأسرة الدولية لما حققته من انجازات على صعد مختلفة، وطالما ان الأمر كذلك فلا يضيرنا في شيء أن نجري مقارنة بسيطة بينها وبين اريتريا والأصل في هذه المقارنة هو ان لا نثبت توصيف الفشل على أيا كان، اللهم إلا إذا كانت الوقائع والممارسات تقول ذلك فيحنها ما علينا إلا التسليم بذلك.”جمهورية ارض الصومال” هي بالأصل إقليم صومالي ممتد جغرافيا في شمال غرب الصومال ويحاذي إثيوبيا وجيبوتي، أعلن انفصاله عن الصومال في العام 1991 عند انهيار النظام المركزي في البلاد والذي كان يقوده الدكتاتور محمد سياد بري والذي مارس انتهاكات بشعة لا ينكرها احد ضد شعب شمال الصومال، وكان الراحل محمد إبراهيم عقال هو من قاد ارض الصومال إلى هذا الطريق كرد عملي على معاناة شعب الشمال من ظلم الجنوب فبرغم رحيل عقال إلا أن ارض الصومال لا تزال تواصل طريقها نحو هدفها المعلن “الاستقلال” وتلك قصة أخرى.لكن كيف استطاعت ارض الصومال ان تستقطب اهتمام الأسرة الدولية خلال عقدين من الزمان، وتتلقى المدح والإطراء من قبل مؤسسات دولية متخصصة ودول كبرى لا لشيء وإنما لانجازات حققتها في مجال الاقتصاد والتنمية عندما سخرت مواردها المحدودة من اجل وضع إستراتجية تنموية تتمثل في التجارة والزراعة والتعدين وتطوير مواردها من الموانئ والثروة الحيوانية والبحرية، وتمكن هذا الإقليم من إقامة علاقات اقتصادية وسياسية معتبرة جدا مع القوى الأولى في العالم كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة، وأصبحت تثير الاهتمام الدولي بصورة لافتة.في وقت فشلت فيه اسمرة من قامة علاقات خارجية سلمية مع المجتمع الدولي ولا تزال في الخطوة الأولى من هذا الدرج ودون ذلك مشوار طويل لتصل ما وصلت إليه ارض الصومال التي لم تجد بعد الاعتراف الدولي.أما من ناحية إرساء نظام سياسي ثابت ومتوارث ومتداول ومتعارف عليه بين أبناء ارض الصومال، فقد استطاعت ارض الصومال ولأول مرة في المنطقة ربما أن ترسي قاعدة لتداول السلطة سلميا وذلك عبر إتاحة الفرصة لكل القوى السياسية عبر نهج التعددية الحزبية فلم تكن السلطة حكرا على حزب معين وما الانتخابات الأخيرة هذا العام خير دليل عندما فاز حزب المعارضة “التضامن” الذي يتزعمه احمد محمد محمود سيلانو وتمت إجراءات التسليم والتسلم بطريقة فريدة من نوعها لا تحدث في هذه المنطقة أو إفريقيا إلا نادرا وغالبا ما تنتهي في أفريقيا كل عملية انتخابية بحمام من الدم حتى كادت الشعوب الأفريقية تطالب بإلغاء الانتخابات بعد ان أصبحت احد أهم عوامل التوتر في القارة.أما في اريتريا فلا حديث أصلا عن حياة سياسية في ظل نظام يمارس القمع بأشكال متعددة، فلاحياه برلمانية في هذا البلد، فيما تقوم السلطة التنفيذية مشكورة بمهام السادة النواب “المغيبين” وهو ابتكار يختصر كافة السلطات في سلطة واحد وهي مؤسسة الرئاسة.أما ارض الصومال، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعشها الصومال وحالة نقص الغذاء المعروفة بسبب انتشار أعمال العنف الدموية وانعدام الاستقرار، ومحيط الغليان الفوضوي الذي توجد فيه ارض الصومال، فان تقارير المنظمات الدولية لم ترصد مجاعة تتهدد شعب ارض الصومال أو الحديث عن حالة نقص في الغذاء كما هو الحال في اريتريا والتي ملت كل المنظمات الدولية من التحذير من تكرار حدوث مأساة إنسانية فيها وهذا بالطبع تنكره الحكومة الاريترية وتحسبه من باب التندر وافتراء الكذب.إذا كان هناك من وصف لائق يميز نظام اريتريا هو ترسيخه لمفهوم الدولة الأمنية والبوليسية في عقول المواطنين مع سياسية منظمة تقوم على عسكرة المجتمع وذرع الرعب واستعداء الآخر والترويج لثقافة الحرب والتحالف مع المجموعات الفاشلة المحاصرة دوليا والمتهمة بالإرهاب، بل ان ارض الصومال هي الأخرى لم تسلم من شرور اسمرة فقد أصبحت جسرا تعبر منه العناصر المسلحة والتي تتلقى كل أنواع الدعم العسكري في اريتريا ليتم تسريبها إلى الصومال او إثيوبيا أو بلدان أخرى مجاورة..وهذا بالمناسبة ما كشفت عنه ارض الصومال نفسها وباعترافات من قبض عليهم.إذا هذا هو النظام الاريتري..نظام يوغل على تقسيم شعبه إلى فئات: فئة تسبح بحمده، وهي قله من الطبقة المنتفعة أو مصاصي الدماء المرتبطين بمصالح مباشرة مع جوقة الاوركسترا وقائدها الهمام وتشكل خط الدفاع الأول عنه. الفئة الثانية: مغضوب عليها وهي من أهل العامة والعوام والتي تعطي دون أن تأخذ وهي تلعن النظام ليلا وتحدثك عن فضائله نهارا وتتصل روحيا مع الفئة الأخيرة وهي الفئة التي يصفها النظام “بالكافرة” فتلعن النظام ويلعنها وقوامها من شتات المعارضة الاريترية في المهجر ودول الجوار فهي وان بدت من دون أنياب لتحدث ما تعد به من تغير لكنها نجحت في إبقاء النظام الاريتري في القوائم السوداء للمنظمات الدولية الحقوقية والصحافية بفضل براعتها في رصد بعض سيئات وموبقات النظام وكشف جرائمه وهذا اضعف الأيمان!يكاد يجمع المراقبون، بان بان نظام اريتريا فشل في التعامل مع قضاياه الداخلية التي تستفحل يوما بعد الآخر من قبيل الأزمات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكلها تحتل مراحل متقدمة في قاموس الفشل، بيد ان هذه المشكلات قد نجدها بمستويات متفاوتة في دول المنطقة وهذه حقيقية، إلا ان هناك توصيفا تنفرد به وتتفرد اسمرة ويسمى مجازا متلازمة “الفشل المتعدي” أو المنقول والمتنقل ذلك الذي يتجاوز الحدود القطرية للدولة ويصدر إلى اقرب الجوار وهو ربما اخطر أنواع الفشل الذي نتحدث عنه إذ انه يشكل عامل تهديد صريح ومباشر ويتسبب في فشل المنطقة والإقليم برمته ويساهم في تأزيم المأزوم وتمزيق الممزق، وربما من هنا جاءت عقوبات الأمم المتحدة الأخيرة على اريتريا بعد جملة من التقارير التي نقلتها لجان متخصصة ظلت ترصد الدور الاريتري في المنطقة، وبغض النظر حول مصداقية ما استندت عليه الأمم المتحدة لتبرير قرار العقوبات الجديد ضد هذا البلد، لكن ما هو مثبت ان سجله حافل بعدائيات لكل جيرانه وانتهاكات على المستوى الداخلي تختصرها مأساة جحافل الهاربين من داخل اريتريا، ما يجعل المدافعين عنه إن وجدوا في حرج شديد أمام الرأي العام العالمي .* كاتب متخصص في شئون القرن الإفريقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى