مقالات

عامل النفط في الاهتمام الأمريكي بالصومال : ياسين محمد عبدالله

25-Jul-2006

المركز

خلفية:
يعود اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالصومال إلى مرحلة الحرب العالمية الثانية عندما شاركت في الحرب إلى جانب الحلفاء ثم زاد اهتمامها بهذا البلد بعد انسحاب بريطانيا من عدن في عام 1967 وتحملها مسئولية الدفاع عن المصالح الغربية في منطقة جنوب البحر الأحمر، حيث يقع باب المندب الذي يتحكم في مدخل هذا البحر وتمر عبره إمدادات البترول إلى الدول الغربية.

وصار الاهتمام الأمريكي بالصومال أكثر عمقاً في عام 1979 ،سبب تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وتهديده منابع البترول في الخليج. فبعد أن عجزت عن الحصول على وجود عسكري دائم في الخليج ، سعت الولايات المتحدة لدى سياد بري للحصول على قاعدة عسكرية في الصومال فأعطاها القاعدة العسكرية التي كان يديرها السوفيت في ميناء بربرة قبل أن ينقلب عليهم ويتجه غرباً. وغادر الأمريكيون مقديشو عند سقوط نظام بري في يناير 1991 بطائرات هيلكوبتر، وعادوا إليها مرة أخرى في ديسمبر 1992 تحت مظلة الأمم المتحدة.في 1998 اعتبرت الولايات المتحدة الصومال مأوى للإرهاب بعد عمليتي تفجير سفارتيها في كل من نيروبي ودار السلام.وعقب أحداث سبتمبر 2001 قال مسئولون أمريكيون إن محمد عطا قائد المجموعة التي قامت بالتفجيرات هو الذي درب المليشيات الصومالية التي أسقطت طائرتي الهيلكوبتر الأمريكتين من طراز (Black Hawk ) في 3/10/1993، وقيل أيضا أن الهدف الثاني للحملة العسكرية الأمريكية ضد الإرهاب سيكون الصومال، لكن الإدارة الأمريكية اكتفت لاحقا بتكوين قوة مشتركة لمحاربة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي تحت قيادتها وبمشاركة عدد من الدول الغربية وهي القوة التي تتخذ من جيبوتي مقراً لها وتراقب منطقة القرن الإفريقي وخصوصا الشواطئ الصومالية.وكشف الصراع الذي انفجر في فبراير الماضي بين المحاكم الإسلامية ومجموعة أطلقت على نفسها اسم (التحالف من أجل استعادة السلام ومكافحة الإرهاب) استمرار التورط الأمريكي في شئون هذا البلد. فقد تأكد تمويل المخابرات الأمريكية للتحالف المذكور لمحاربة المحاكم تحت حجة إيواء الأخيرة لعناصر من تنظيم القاعدة. لكن هذه الحرب انتهت، كما هو معروف، بهزيمة التحالف وسيطرة المحاكم على الجزء الأكبر من العاصمة مقديشو وعلى بلدات أخرى بينها بلدة جوهر التي كان قادة التحالف يتخذونها مقراً لهم. لقد أثيرت الكثير من الشكوك حول دوافع التدخل الأمريكي في الصومال في عام 1992 إذ قيل إن الشركات الأمريكية التي كانت تحوز على امتياز التنقيب عن البترول في ما يقارب ثلثي الأراضي الصومالية هي التي حرضت إدارة الرئيس جورج بوش الأب، الذي ترتبط أسرته بمصالح مع صناعة النفط في تكساس، للتدخل في الصومال من أجل حماية مصالح هذه الشركات، فما هي حقيقة الاحتياطيات النفطية في الصومال وهل هي بالفعل أحد عوامل الاهتمام الأمريكي بهذا البلد؟ الاكتشافات النفطية في الصومال:قام البريطانيون والإيطاليون بأول محاولات للتنقيب عن النفط في الصومال في نهاية القرن التاسع عشر عندما كانوا يحتلونه، لكن لم تُحفر أول بئر إلا في الستينيات. وقد سجلت ثلاث آبار في ذلك الوقت وجود بترول لكنه لم يكن بكميات تجارية. واستؤنف الاهتمام بالتنقيب في منتصف السبعينات ومطلع الثمانينات عندما توفرت لدى شركات البترول أموال ضخمة بسبب ارتفاع أسعار البترول.ومنحت الحكومة الصومالية في عام 1980 ترخيصا للتنقيب عن البترول في شمال البلاد لاتحاد بين شركتين أمريكيتين هما هنت Hunt)) والتي تتخذ من دالس مقراً لها و وغوينتانا ( Quintana) والتي يوجد مقرها في هوستن. وعندما لم تنجح الشركتان في إيجاد شركاء للعمل معهما في التنقيب بعد مرور عامين من تاريخ حصولهما على الترخيص تخلتا عنه. وبينما استمرت (هنت) تعمل في اليمن حتى تمكنت من استخراج البترول، وهو ما أكد على التوقعات بوجود احتياطيات نفطية في الصومال،بحكم الترابط الجيولوجي بين المنطقة التي أكتشف فيها النفط في اليمن وبعض أجزاء الصومال، فقد اكتفت الشركة الأخرى بنشاطاتها الداخلية. وبعد انسحاب الشركتين قسم ترخيصهما إلى اثنين فأعطى واحد لشيفرون والآخر حصلت عليه شراكة آموكو ومؤسسة كندا العالمية للبترول. وأعطت حكومة سياد بري تراخيصَ لكل من أجب وفيلبس لكن الترخيص الأكبر أعطته لشركة كونوكو التي تتخذ من هوستن مقراً لها والتي ظلت تعمل في الصومال منذ السبعينات. وفي السنوات الأخيرة من عهد سياد بري كان حوالي ثلثي الأراضي الصومالية مقسم بين أربع شركات أمريكية هي كونوكو، شيفرون، فيلبس وآموكو. وقد انتشرت شائعات عشية اندلاع الحرب في 1988 بأن كونوكو توصلت لاكتشافات نفطية مهمة بالقرب من الحدود الإثيوبية. أكدت دراسة عن احتمالات وجود النفط في الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، بدأ العمل فيها عام 1988 وانتهى في 1991 ومولها برنامج الأمم المتحدة للتنمية وكل من بريطانيا وفرنسا وعدد من شركات النفط ونسق العمل فيها البنك الدولي، أكدت على وجود النفط والغاز الطبيعي بكميات تجارية في الصومال. وقال توماس كونر المهندس المسئول عن البترول في البنك الدولي والذي ترأس العمل في الدراسة إنه لا يوجد شك في وجود البترول في الصومال لكن ما لا يُعرف هو الكمية لكن احتمالاتها تجارية. وذكر اثنان من الجيولوجيين، أحدهما مصري والثاني أمريكي وشاركا في إعداد الدراسة، في مؤتمر عقد بخصوصها في لندن في سبتمبر 1991 ،إنه بتحليل تسع آبار حُفرت في الصومال اتضح أن بالمنطقة احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي. وقد وضعت الدراسة السودان والصومال على رأس قائمة من ثماني دول إفريقية توجد بها احتياطيات نفطية كبيرة. وبعد انفجار الحرب الأهلية عقب سقوط نظام بري احتفظت كونوكو بمكتب لها في مقديشو وزارت وفود منها أرض الصومال الدولة غير المعترف بها. وأبرمت الشركة اتفاقاً مع حكومة علي مهدي محمد يقضي بالمحافظة على الوضع كما هو، بينما استندت الشركات الثلاث الأخرى على بند القوة القاهرة لتعليق نشاطاتها على أن تعود لاستئنافها بعد عودة السلام إلى البلاد. وفي العام الماضي أبرمت شركة رينغ ريسورس وهي شكرة استرالية عقداً للتنقيب عن البترول والمعادن مع إدارة إقليم (بنت لاند)) الذي يدير شئونه ذاتيا دون أن يعتبر نفسه دولة مستقلة مثل جمهورية أرض الصومال. ومع أن الحكومة الانتقالية قالت أن لا قيمة قانونية للعقد إلا أن الشركة بدأت في فبراير الماضي أعمال التنقيب في الإقليم . وكانت شركة توتال الفرنسية قد أبرمت في 13/2/2001 عقداً مع حكومة الانتقالية للتنقيب عن البترول في جنوب الصومال على ساحل المحيط الهندي. دور المصالح النفطية الأمريكية في التحريض على التدخل الدولي في الصومال عام 1992:في 3/12/1992 اتخذ مجلس الأمن قراراً تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حمل الرقم 974 أعطى بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية ودولاً أخرى الحق في استخدام الوسائل الضرورية كافة لضمان وصول المساعدات الإنسانية لمليوني صومالي يتهددهم الجوع. وقد أطلق على العملية اسم (استعادة الأمل) وأوكلت مهمة قيادتها لجنرال أمريكي متقاعد. ساهمت الولايات المتحدة بـ 28000 جندي في القوة التي أرسلت لضمان وصول المساعدات الإنسانية بينما قدمت فرنسا 1700، إيطاليا 2000-150 وكندا 900 جندي. ودفعت الولايات المتحدة نصيبها في تمويل العملية مع أنها كانت متأخرة عن تسديد المستحقات المالية للمنظمة الدولية لديها والتي بلغت في ذلك الوقت 415 مليون دولار بينها 120 مليون دولار لصالح تمويل عمل قوات حفظ السلام الدولية.وقد كان لافتا الاهتمام بإرسال المساعدات الإنسانية إلى الصومال دون غيره حيث كان الجوع يتهدد 20 مليون شخص في دول إفريقية أخرى. برر المسئولون الأمريكيون مشاركة بلادهم في عملية استعادة الأمل بدواعٍ إنسانية ولم يشيروا هم أو ممثلو الشركات النفطية لاحتمالات وجود النفط في الصومال كدافع لهذا التدخل إلا أن العديد من التقارير الصحفية، وبالذات تقرير كتبه من مقديشو مارك فاينمان ونشرته لوس أنجلز تايمز في 18/1/1993 ، أشارت إلى أن حماية المصالح النفطية للولايات المتحدة كانت الدافع الرئيس لإرسال قوات المارنيز إلى هذا البلد.لقد زاد اكتشاف النفط في ثمانينات القرن الماضي في اليمن واحتمالات وجوده بكميات هائلة في الصومال من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة خليج عدن وجنوب البحر الأحمر. ولم تعد الولايات المتحدة معنية فقط بضمان مرور البترول عبر مضيق باب المندب والدفاع عن الاحتياطيات النفطية في الخليج، إنما أيضا بالدفاع عن الاحتياطيات النفطية المكتشفة في اليمن وتلك المتوقعة في الصومال. وخلال مشاركته في افتتاح مصفاة للنفط أقيمت بالقرب من مدينة مأرب اليمنية في أبريل 1986 أكد جورج بوش الأب، نائب الرئيس الأمريكي حينذاك، على ضرورة دعم جهود الولايات المتحدة الأمريكية في تطوير والدفاع عن الاحتياطيات النفطية في المنطقة مؤكداً على الأهمية الاستراتيجية المتنامية بالنسبة للغرب في تطوير مصادر للنفط الخام بعيداً عن مضيق هرمز في إشارة للمنطقة التي تتحكم في مدخل الخليج العربي واحتياطياتها النفطية الضخمة. يقول التقرير الذي نشرت لوس أنجلز تايمز إن مبنى شركة كونوكو أكبر مستثمر في مجال التنقيب عن النفط في الصومال تحول إلى سفارة للولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الفعلية قبل عدة أيام من نزول المارنيز إلى سواحل مقديشو وأثناء تواجدهم هناك. وكانت الشركة توفر بين عامي 1991 و1992 المسكن والحماية ووسائل النقل والاتصالات الهاتفية لمبعوثي الحكومة الأمريكية إلى الصومال. كما كان أول مبنى يدخله روبرت أوكلي المبعوث الخاص للرئيس جورج بوش هو مبنى الشركة الذي اتخذه مقراً له. وأكدت البرقيات المتبادلة بين وزارة الخارجية الأمريكية وسفاراتها وموظفيها في المنطقة، التي تم الحصول عليها باستخدام قانون حرية المعلومات، على صحة ما جاء في تقرير فاينمان. وقد تلقى مدير الشركة في الصومال دايموند ماركاند الفرنسي الجنسية رسالة شكر من الجنرال فرانك لوبتي المساعد العسكري للمبعوث الأمريكي، جاء فيها: إنه لولا المساهمات الشجاعة لرايموند وخدماته التي تميزت بنكران الذات لكانت العملية قد فشلت. ( هذا بالطبع قبل أن تفشل العملية وتنسحب القوات الأمريكية من الصومال بعد مقتل ثمانية عشرة جنديا منها بنيران المليشيات الصومالية). وكان مدير الشركة في الصومال قد قال في مقال نشر في المجلة الداخلية لشركته إنه تعامل مع طلب وزارة الخارجية الأمريكية بالمساعدة في الصومال مثل تعامله مع عمليات الشركة.. كان الأمر بالنسبة إليه كما قال مثل نقل معدات للشركة.جريدة الصحافة السودانية ،25 يوليو 2006م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى