مقالات

المعارضة الإرترية: ممنوع الاختلاف. بقلم/ محمد مدني

11-Nov-2017

عدوليس ـ نقلا عن الأفريقية.

عندما تخوض الشعوب حرباً تحررية، في مواجهة استعمار، احتلال أو ديكتاتورية تسلطية فإن تحديد العدو الرئيس والتناقض الرئيس لا يمكن أن يختلف حوله اثنان أبداً، ويمكن بعد ذلك الاختلاف حول ترتيب درجة الاقتراب من أو الابتعاد عن هذه أو تلك من الحكومات، القوى أو الأجهزة حسب التوجهات والقناعات السياسية والأيديولوجية للقوى التي ينتمي إليها الشخص الذي يحدد “موقفه هو” كشخص أو قوة سياسية من تلك الجهة من دون أن يكون ذلك معبراً عن رأي بقية القوى والتي هي أيضاً تحدّد مواقفاً أقرب من أو أبعد عن جهات أخرى وهكذا، وهذا حقٌ لا سبيل إلى إنكاره وللآخرين أيضاً الحق في نقده والتعليق عليه ومناقشته.

ما دفعني إلى سوق المقدمة البدهية أعلاه، لم يكن ردود الفعل التي أنتجها موقف الأستاذة آمال صالح من قناة الجزيرة الذي عبَّرت عنه في منشور لها على صفحات الفيسبوك، بل الأسلوب والأدوات التي استخدمها “بعض” موردي ردود الأفعال إياها. من حق أي شخص أو كيان أن يعبِّر علناً عن رأيه حول أيٍ من الفضائيات، الصحف، الإذاعات، الأحزاب، الأيديولوجيات…إلخ. في إطار حرية الرأي والتعبير وضمن حدود القانون ومواثيق الشرف الصحفية، السياسية والثقافية المكتوبة منها وغير المكتوبة تماماً كما يحق للآخرين الاختلاف معه، الرد عليه، مناقشته وانتقاده في الإطار نفسه وضمن القوانين والمواثيق والأخلاقيات ذاتها.من يقاوم نظاماً دكتاتورياً، قمعياً يسير وفق رؤى وهوى فردٍ واحد وليس حزب واحد فقط، نظاماً هصر كل الحقوق والحريات، وليس الرأي والتعبير فحسب، وأدخلها في قمقمٍ لا نعرف عنه أكثر مما نعرف عن عشرات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً، أقول من يقاوم نظاماً كهذا حرِيٌّ به، قبل كل شيء، أن يعمل على ترسيخ ثقافة احترام الحقوق والحريات في نفسه ويضعها نصب عينه خلال ممارسته للعمل السياسي والثقافي والاجتماعي والصحفي، فيتفق ويختلف، يرد ويعقب، ينتقد ويصحِّح الآراء والمواقف وليس الأشخاص وحيواتهم الخاصة.
فقد أصدر البعض فرمانات تقضي “بما أن آمال مدرخيّة – حسب تعبيرهم – ومدرخ هي ذراع للنظام – فإن آمال هي عميلة للنظام، هكذا وببساطة ونقرتيْ كيبورد نقلها من معارضة النظام إلى العمالة له وليس موالاته فحسب!! بل إن البعض لم يتردد في أن يفتح كتاب أسرتيها الكبيرة والصغيرة، محدِّداً انتماء والدتها العرقي والديني!! أي والله!! بأسلوب يعتقد هو أنه مهينٌ لها وسبّة لأهلها، وآخر أو أخرى اتهمها في شرفها الشخصي وبعبارات لا لبس فيها، ولو تريث وفكّر في ما يفعله لنأى بنفسه عن منكر كهذا، وهنا لا أظن أن كثيرين يجهلون أن هذا الفضاء الإسفيري لم يعد غابةً يسرح فيها كلٌ على هواه لأن هناك لوائح و قوانين ومحاكم تطال كل من يسيء استخدامها، ولكن هذه “القوانين والمحاكم” ليس ما يهمني هنا، فالموضوع يتعلق بمواجهة نظام الفرد الطاغية في إرتريا وإسقاطه وإحلال الديمقراطية التعددية وسيادة القانون وبسط الأمن والحقوق والحريات السياسية، الدينية الثقافية، الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، وإذا كان هذا هو مبتغانا جميعاً فكيف يمكننا العمل معاً على تحقيقه إن كنّا لا نحتمل اختلافاً في الرأي حول وسيلةٍ إعلامية ليست تابعة للنظام ولا نعرف لها موقفاً ضده غير تغطيتها الأخيرة لهبة أهالي حي “الضياء”* مع إنني شخصياً سأكون ممتناً لأي وسيلة إعلام تغطي مقاومة شعبي للنظام ولو كانت قناةً إبليس ناهيك عن الجزيرة التي لا يختلف تقييمي لها عن أخريات غيرها من القنوات التي أنشأتها حكومات أو كيانات أو أفراد موالين لهذه أو تلك، فكلها تخدم بالدرجة الأولى مصالح أصحابها وأنا لا أطالبها بأكثر من تغطية ما يعانيه الشعب الإرتري داخل وخارج أرضه من جرائم النظام أو ويلات ومكاره اللجوء. أما ما نشرته صحيفة إماراتية عن اتفاق النظام والمعارضة في إرتريا على إدانة قناة الجزيرة أو استبعادها عن المشهد الإرتري، فهو “لقية” صادفت ريحُها شراع الصحيفة دعماً لموقف بلادها من النزاع الخليجي/الخليجي، وبالتأكيد كصحفي، لو كنت مكانه لاستفدت من رأي آمال وغيرها ممن صرخوا في وجه الجزيرة، ولكنه، أي ذلك الخبر، لا يقتلع آمال من خانة المعارضة إلى مستنقع العمالة للنظام، ما لكم كيف “ترجمون؟”.
ولكن ذلك لا يخوِّلني أن أنصِّب نفسي “مرشداً أعلى” للمعارضة الإرترية أمنح هذا أو تلك شهادات المواطنة والنضال والوطنية وأنزعها عن هذه أو ذاك، بل أيضاً أحدِّد من يحق له أن يكون ضمن قوى المعارضة ومن لا يملك الحق في ذلك، لمجرد أنه/أنها اختلفت معي حول رأيي في قناة زيد أو عبيد وكأن الأمر منحةٌ وليس اختياراً حرا!! دعونا نرسِّخ ثقافة أدب الاختلاف في ما بيننا كمقاومين نسعى لإسقاط نظام إسياس وبناء بديل يتراضى الإرتريون كافةً على أسسه، وأقصد بثقافة الاختلاف كل ما هو دون التناقض الرئيس أي أن الموقف من النظام هو ليس الضد فقط بل التغيير الشامل الجذري، غير ذلك فقد يرى البعض أن العمل السياسي هو الوسيلة الأنجع في ما يرى غيرهم أن المقاومة المسلحة هي الحل أو العمل عبر منظمات المجتمع المدني وغير ذلك من الخيارات التي لا تمنع أن يلتقي الغالبية إن لم يكن الجميع حول برنامج حدٍ أدنى للتغيير في إرتريا، ما دون ذلك فهو مسرح للحوار والنقاش، الاتفاق والاختلاف من دون المساس بما يجمع الناس.
_____
* قرأت مقترحاً للأستاذ الصحفي جمال همد في الفيسبوك بإعادة تسمية حي أخريا
بـ”الضياء” وأعجبني وارتأيت أن استخدم الاسم فمعذرة لأهل الحي إن لم يعجبهم الأمر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى