تقارير

ربع قرن من التصدي لآمال الشعب وطموحاته .. الهقدف والميثاق الوطني – الجزء الثالث والأخير

10-Jun-2016

عدوليس ـبالتعاون مع إذاعة المنتدى

لأن دورنا الطبيعي والمنطقي والواجب، يملي علينا أن يكون نهجنا في إحياء ذكرى الرابع والعشرين من مايو، مزيدًا من تمليك الحقائق للجماهير، وكشف المخططات الإجرامية، وإزالة اللبس والغموض عن الأحداث التاريخية، وإجراء كل ما من شأنه تحقيق مصالح الجماهير وحقها في الإنعتاق والعيش الكريم، سنواصل سعينا لتوضيح حجم الخديعة التي مارستها قيادات الـ(هقدف) على جماهير شعبنا، ولكشف تفاصيل الإنقلاب التدريجي الذي نفّذته تلك الطغمة ضد زملائهم من أعضاء الـ(هقدف) أنفسهم، وضد الوطن أولًا وأخيرًا. نواصل قراءتنا في الحلقة الثالثة والأخيرة، للميثاق الوطني الإرتري المصادق عليه في المؤتمر التأسيسي لـ(لهقدف) الذي عقد من 10 إلى 16 فبراير من العام 1994 بمدينة نقفة، حيث نجد في الجزء الخاص بالإقتصاد حدد الميثاق الأهداف في نقاط سبعة، تقول الأولى (بناء إقتصاد وطني قوي، أساسه الزراعة والصناعة والتجارة وقطاع خدمي قادر على توفير إحتياجات الشعب، يوظف الثروات الطبيعية بوعي ومسؤولية، قائم على إقتصاد السوق والملكية المستقلة). غير أنّه لا توجد على أرض الواقع أية آثار لكل ما سبق ذكره، فلا توجد زراعة تغطي إحتياجات السوق المحلي، وتوقفت الصناعة بسبب السياسات الجائرة، واحتكرت الحكومة كل الأنشطة التجارية، وادارت ملفات عائدات الثروات والموارد الطبيعية خارج دورة إقتصاد الدولة ، وسعت الحكومة للإستحواذ على أملاك المواطنين وأموالهم، في ظل إنهيار كامل لمرافق الخدمات، وشح في الضروريات من سلع إستهلاكية وإحتياجات علاجية.

الفقرة الثانية عن الإقتصاد، سنستعرضها بلا تعليق فهي تنص على: ( جعل إستراتيجية ارتريا للتطور الاقتصادي تقوم على العدالة الإجتماعية والديمقراطية الإقتصادية) . أما الفقرة الثالثة فتتحدث عن: (وضع وتنفيذ برامج لإحياء إقتصادنا الذي هدمته الحرب ، ولتحسين الاوضاع المعيشية للمتضررين من الحرب ، وإتاحة الفرص لهم ليلعبوا دورهم في البناء الإقتصادي الوطني). لكن، قبل التعليق على هذه الفقرة سنحتاج الى إجابة عن الأسئلة الهامة، أولها: لماذا أوقفت الحكومة الإرترية برنامج العودة الطوعية لأكثر من نصف مليون لاجئ إرتري من السودان ؟ والسؤال الثاني: لماذا وضعت المتضررين من الحرب الارترية الاثيوبية الثانية والنازحين من مناطق ظرونا وعلتينا في مخيمات فقيرة على الشريط الحدودي مع السودان ؟ والسؤال الثالث : لماذا تقوم الحكومة بتهجير المواطنين من كل موقع ينجز فيه مشروع إقتصادي إنتاجي أو تُكتشف فيه ثروات طبيعية ؟والفقرة الرابعة جاءت لتؤكد مرة اخرى درجة الإنحراف أو مدى الخداع ، فهي تتحدث عن: ( تأكيد إستقلالية العمل الحكومي، وادائه لدور يهيئ لخلق تنمية إقتصادية مبرأة من الفساد والديون ). فالواقع أنه ليست لدينا حكومة مستقلة ، ولا توجد أجواء إقتصادية مهيأة، ولن نستطيع الحديث عن براءة حكومة الـ(هقدف) من السقوط في وحل الفساد المالي والإداري . اما الفقرات الخامسة والسادسة والسابعة حول الشأن الإقتصادي، فقد تحدثت بالتوالي عن (تشجيع القطاع الخاص المنافس ليلعب دوره. وتأكيد أن إستراجية الإقتصاد الإرتري تقوم على القدرات الذاتية والمشاركة الشعبية. وتشجيع التعاون الدولي والاستثمارات الخارجية في إطار سياسة الاعتماد على النفس) ولكن، هنا ايضًا لم يتم تنفيذ أي مما ورد في كل هذه الفقرات، بل حدث عكسه تماما، وكانت النتيجة التي يعلمها الجميع، إنهيار مريع في الإقتصاد الإرتري، وتغييب كامل للمواطنين، وإحجام منطقي من قبل المستثمرين. بمراجعة الوعود التي طرحها الميثاق فيما يتعلق بالشأن الثقافي يمكننا في هذه المساحة تناول نتائجها على ضوء الواقع الراهن، فعلى نقيض ما كتب في تلك الوثيقة، لم تطور حقبة حُكم الهقدف ما اسمته بالثقافة الجديدة ، ولم تحافظ على الإرث النضالي ، ولا الموروث المجتمعي، لم تستفد من تجارب الشعوب في تلاقح الثقافات ، ولم تجري بحوث نزيهة في ميادين الثقافات واللغات والعادات والتقاليد الارترية. كما لم تمد يد التعاون والقبول للمحيط من دول الجوار لإنتاج تبادل ثقافي مثمر ، بل على عكس كل ذلك عطّلت جهود تدوين البطولات الإرترية وسعت لطمس كل ماله علاقة بالماضي، واوقفت الدراسات والأبحاث والحفريات الأثرية ، وتراجعت عن مبادرات صيانة وحفظ الآثار المعمارية والتاريخية الأخرى، وأهملت المتاحف بل حولت أكبر متحف في ارتريا الى مقر للقصر الرئاسي، وبذلت قصارى جهدها لتقزيم المقدرات الارترية القيمية والمعتقدية وحطمت الرموز الوطنية ، ثم وبدعاوى التحضر استجلبت قشور باهتة سعت لتوطينها بحجة الحداثة والتجديد. بإختصار عملت عصبة الهقدف على محو الملامح الثقافية الارترية ، في اتجاه سعيها لانتاج مجتمع جديد بلا اي واعز اخلاقي او قيمي او ديني.وفي ذات الاتجاه تنصلت عصبة الـ(هقدف) عن ما توافقت عليه في ميثاقها بخصوص التوزيع المتوازن للخدمات الاجتماعية ، ففككت المؤسسات التعليمية القائمة ، وأوقفت برامج محو الأمية ، وحاصرت وحصرت المنح الدراسية ، وقيّدت التعليم العالي الحكومي ومنعت التعليم الخاص ، وجعلت وجود الخدمات الصحية والعلاجية ضرب من المستحيلات. وتراجعت عن وعودها بتقديم خدمات المياه والإسكان والنظافة والإتصالات والمواصلات. وأغلقت كل الأبواب أمام إسهام القطاع الخاص في المجالات الخدمية. ضمن سلسلة التنصل والنكوص المتواصلة الحلقات، تراجعت عصبة الـ(هقدف) أيضًا عن إحترم الحقوق الإجتماعية الأساسية، وحقوق المرأة والأسرة والطفل، وذوي الإحتياجات الخاصة ومعوقي حرب التحرير، والمكونات الفئوية من عمال وفلاحين ، وضمان حقوق العجزة ومن وصلوا سن التقاعد. عليه جلس رئيس طغمة الـ(هقدف) على رأس جبل من الحقوق المهضومة والفرص المهدرة. اما أكبر حلقات الإخفاق والفجيعة التي أحسها اعضاء الجبهة الشعبية قبل اعدائها، تمثلت في الفقرات المعنية بضمان الأمن والدفاع الوطني. فإن كان الميثاق الوطني قد ذهب إلى: (جعل عقيدة الدفاع والأمن وطنيةً ومبنيةً على الشعب، عبر إقامة جيش ومؤسسات شرطة وأمن كفوءة تخدم الشعب و تتقيد وتلتزم بالدستور، خاضعةً للمحاسبة القانونية ، متحليةً بالتراث الارتري ، ومسلحةً بالخبرات المهنية ، تحمي القانون )، إلّا أن رياح الإنحراف حملت سفن الـ(هقدف) إلى مراسي الفشل الكامل. وخلال تلك الرحلة المخذية تحوّلت المؤسسات العسكرية والأمنية إلى ادوات قمعية لا تنتمي للشعب الإرتري بأية صلة، مفتقرة للكفاءة المهنية ، هادمة لكل القوانين والأعراف ، متجاوزة للدستور ، بل حامية للدكتاتور. من سخريات القدر أن يشتمل الميثاق الوطني الذي لم يُقرأ جيدًا من قبل قيادات الـ(هقدف) الحالية، على تحذير من مغبة العزلة من المحيط الإقليمي والدولي ، ودعوة للعب دور ايجابي ، في سلام واستقرار الشعوب ، ضمن الأسرة الدولية و الإلتزام بكل القوانين والأعراف والمواثيق. المبادئ التنظيمية ، كانت آخر الأقسام التي شملتها وثيقة الميثاق الوطني ، ووردت فيها سته من الأوصاف الهامة جدًا لما يجب أن تكون عليه الجبهة التي عرفت اختصارًا بالـ(هقدف). سنوردها هنا ليس فقط للمقارنة والقياس ، بل للتذكير لمن يهمه الأمر ، تذكير بمدى مفارقة الشعبية المصطنعة للخط الذي اعلنته للجماهير ، والذي ناضلت من اجله عضوية الشعبية الحقيقية. الوصف الأول، كان ( إنشاء جبهة ذات قاعدة عريضة ، ومثلما كان في زمن النضال لن تكون محصورة على العناصر الوفية الملتزمة فقط ، مستعدة للتنافس السلمي مع الاحزاب الأخرى ، وتصبح مركزا للجاذبية ) هذا المقطع يوضح بجلاء أن صيغة الجبهة العريضة تم وضعها كخطوة إستباقية لبقية القوى السياسية الإرترية، وفُتح فيها البابُ لأي راغب في العضوية بغض النظر عن مدى الوفاء أو الإلتزام ، لكنها ثبتت للجميع الحق في التنافس السلمي ، بعد منح الأسبقية الزمنية لـ(لهقدف) بحيث تدبر أمورها قبل الآخرين. الوصف الثاني، (تكوين جبهة مشاركة ذات حياة داخلية ديمقراطية منفتحة، مرنه وبرجماتيه). الوصف الثالث، ( قيادة كفوءة ، ممثلة للمجتمع في تكوينها ، خاضعة للمحاسبة ، تتغير دوريًا) وتكون هذه القيادة جاهزة للنقد ، والاعتذار للشعب ، والاعفاء من المسؤولية ، والطرد او الفصل من الجبهة في حال ارتكاب الأخطاء . قطعًا هذا الوصف لا يخطر على بال القيادة الحالية لـ(لهقدف) كما لا ينطبق عليها مطلقًا. الوصف الرابع، ( الوجود والنشاط المستقل للجبهة عن الحكومة ، لكي لا تمتزج معها فتصاب بالشلل ثم تفقد مصداقيتها ، كما لايجوز للجبهة التدخل في السلطات والقرارات اليومية للحكومة ووزاراتها). هذا الوصف حمّل الكذبة فوق ما تحتمل ، فالجميع يعرف منذ البداية انه لا فرق بين الحكومة والجبهة الجديدة، وأن الإثنين يعملان كما يريد الرئيس ، عليه لم يكن هنالك داعى لهذا الوصف المضحك. الوصف الخامس، اشتمل على ( التشجيع والتعاون مع الإتحادات الشعبية ، بغية إنجاح البرامج وتمهيدًا لإزدهار الديمقراطية ). لكن، الكل يعلم ان ما تسمى بالاتحادات الوطنية للعمال والمرأة والشباب والطلاب هي اذرع وروافد مباشرة للهقدف ولا يمكن الفصل بينهم مطلقًا، عليه يصبح هذا الوصف بلا معنى ، إلا إذا اتفقنا على تسميته بأنّه وصف مضلل، يرمي إلى توزيع الأدوار بين (الهقدف) ومنظماتها وأياديها الأخرى . الوصف السادس والأخير، ( بناء هيكل تنظيمي بقاعدة قوية وقيادة رشيقة ، سليم من امراض البيروقراطية والإتكالية والتراخي والعزلة ، وان يكون يقظًا ، حتى لا يكون منحصرًا في المدن منبوذًا ومستبعدًا من الريف). يبدوا أن النهايات أتت مأخوذة من آخر فقرة في ما يسمى بالميثاق الوطني الإرتري ، لكن مع بعض التعديل، فقد افلح الهقدف في بناء تنظيم هلامي القاعدة ، يعاني من كل الأمراض المرئية والمستترة، تقوده شخصيات لا صلة لها بالجماهير ، ويعمل فيه كوادر من الأرزقية الموظفين ، يقومون بجهد محدود في إطار أداء الواجب فقط. عليه وجد (الهقدف) نفسه مستبعدا ومنبوذا في كل أنحاء ارتريا.هكذا وعلى إمتداد ثلاث حلقات تصفحنا وإياكم ، وثيقة ( الميثاق الوطني الإرتري) ، كان هدفنا تسليط الضوء على محتويات تلك الوثيقة المنسية عن قصد ، والتي تنصلت (الهقدف) من ما إحتوته ، لثلاثة أسباب ، الأول أنّها تتيح إمكانية محاسبة ومحاكمة السلطة المجرمة عن طريق أدبياتها. والسبب الثاني هو أن محتويات الوثيقة تستحق المعرفة والإطلاع عليها ، رغم توفر الفقرات المفخخة كما أوضحنا في سياق القراءة. أما السبب الثالث فهو لتوضيح أنّه يتوفر لمن كانوا في الجبهة الشعبية الحقيقية أكثر من سبب للوقوف ضد الطغمة المغتصبة للتاريخ، والمؤيدة لسلطة الفرد. كما أن تلك الأسباب والدوافع تتوفر أيضًا لمن هم داخل (الهقدف) حتى الآن. ولنا كلمة أخيرة لمن لم تتضح لهم الرؤية بعد، تقول : استفتي قلبك او حكم ضميرك، ( فَيَا رُبَّمَا بَاتَ الْفَتَى وَهْوَ آمِنٌ ** وأصبحَ قَد سُدَّت عليهِ المطالِعُ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى