مقالات

التعليم باللغة العربية في إريتريا .. بين الرغبة الشعبية والتعنت الحكومي بقلم الأستاذ محمد نور فايد

17-Oct-2014

عدوليس ـ ملبورن ـ

من المحرر :هي في الأصل هي ندوة قدمها المعلم والمربي الأستاذ محمد نور فايد على جلستين في مقر الجالية الإريترية بمدينة ملبورن ـ أستراليا ، وتحدث فيها بإسهاب عن تاريخ التعليم باللغة العربية في العصور الإستعمارية وكذا في العهد الوطني . وقد أتهم الأستاذ الحكومة الإريترية بتهميش اللغة العربية والتدريس بها متجاوزة رغبة السكان .

وقال المربي محمد نور ان سياسة التعليم باللغات المحلية مرفوضة من قبل مجموع الشعب الإريتري ، ومع ذلك يصر النظام القائم في أسمرا على الإستمرار فيها . وعبر عن إعتزازه باللغات المحلية لانها حاملة لثقافتنا وعاداتنا حسب تعبيره . فيما يلي ملخص لما أورده الأستاذ في متن محاضرته .اللغة العربية والتعليم في العهد العثماني التركي :دام الحكم العثماني التركي في بلادنا أكثر من ثلاثة قرون ( 1515ــ 1826 ) ومع انهم لم يؤسسوا ويبسطوا التعليم إلا ان سيطرتهم على البلدان المجاورة كالحجاز ومصر والسودان وإنتشار اللغة العربية وإعتناق الإسلام في هذه البلدان أفاد السكان في إريتريا بحكم العلاقات التجارية ، وهذا الحال إستمر في الحكم المصري الذي حل محل الأتراك بعد وصول محمد علي باشا لسدة الحكم في مصر ، وقد استمر حكم الخديوي لبلادنا من ( 1872ــ 1884) ,العهد الإيطالي ( 1851 ــ 1941 ) والإنجليزي ( 1941ـ 19 :في العهد الإيطالي سمحوا بتدريس اللغة العربية كمادة في المرحلة الإبتدائية فقط ، أما في عهد الإدارة البريطانية فقد توسع التعليم عامة والتدريس باللغة العربية على وجه الخصوص ، فقد أفتتحت أكثر من (50 ) مدرسة إبتدائية تدرس باللغة العربية ، في عموم إرتريا ، كما أرتقت الخلاوي القرآنية المعاهد الدينية كما ونوعا . فكانت ان فتحت ستة معاهد تدرس علوم الدين الإسلامي في كرن ومعهد في حقات وآخرفي حلحل ، كذلك أفتتح المعهد الديني في اغوردات بإشراف الشيخ المجاهد الراحل عبدالله إزاز ، كما أفتتح صالح كيكيا رحمة الله مدرسة إبتدائية في بلدة حرقيقو ، كما أفتتح عدد من الإعيان والتجار في العاصمة أسمرا بإسم مدرسة الجالية العربية .الرابطة الإسلامية ودورها في نشر اللغة العربية :كما هو معروف تأسس حزب الرابطة الإسلامية في عام 1946م ، وإعتمد الحزب اللغة العربية كلغة تفاهم ومخاطبة رسمية في الجلسات الرسمية ، كما أعتمدوها لغة بجانب التجرنية لغتين رسميتين للبلاد ، بجانب كونها لغة للتعليم . وقد أنتخب الحزب السيد بكري الميرغني رئيسا فخريا للحزب لمكانته الدينية كزعيم روحي يوحد المسلمين آنذاك ، كما أنتخب ابراهيم سلطان علي سكرتيرا عاما للحزب وقد أظهر الحزب صمودا أسطوريا ضد عصابات حزب الوحدة مع إثيوبيا المعروف محليات بحزب ( الآندنت ) وقد خاطب سكرتير الحزب السيد سلطان بإسم الكتلة الإستقلالية التي كانت تضم كل الأحزاب الإريترية المنادية بإ ستقلال دول عصبة الأمم مطالبا بإستقلال بلاده ، مما أكسبه تاييدا محليا وعالميا كقائد إريتري جسور ، كما أكسب حزبه علاقات قوية مع السعودية والعراق وباكستان وماليزيا ، وهذا مكنه من تفويت الفرصة على المشروع البريطاني التقسيمي لإرتريا .وقد قام الطلاب والشباب بيت عامي ( 1957ــ 1958 م ) بمظاهرات ومسيرات تطالب بالتدريس باللغة العربية ورفضة للغة الإمهرية التي خططت إثيوبيا للتدريس بها وإلغاء اللغو العربية في البلاد .وفي ذات الفترة دخلت المنشورات الأولى لحركة تحرير إريتريا البلاد تطالب بالإستقلال ، وتكوين الخلايا التي عرفت بعد ذلك بالخلايا السباعية .بعد إعلان الكفاح المسلح 1961م أحيت جبهة التحرير الإريترية اللغة العربية بجانب التجرنية وإستعات دورها ومكانتها وإعتمدت اللغتين العربية والتجرنية لغتين رسمين ، وتعاملت بذلك في وسائل إعلامها ومكاتباتها الرسمية ‘ إلا ان ذلك اعترته عدد من الإشكالات هي التي التي أدت في النهاية لانهيار التنظيم ، ونشير هنا ان الحجم الكبير لجبهة التحرير ودورها لم يكن بالمستوى المطلوب في خدمة اللغة العربية .اما في قوات التحرير الشعبية والتي كان يقودها الزعيم عثمان صالح سبي فيمكن القول ان هذا التنظيم ساهم مساهمة كبير في المحافظة على اللغة العربية من خلال إنشاء المدارس والمعاهد وذلك تحت إشراف جهاز التعليم الإريتري الذي كان يديره المرحوم محمود سبي . وقد إزدهرت المدارس في معسكرات اللاجئين وبعض المدن السودانية خاصة كسلا ، كما أرسل الجهاز عدد من الطلاب في منح دراسية للدول العربية .بالنسبة للجبهة الشعبية فقد تجاهلت موضوع اللغة العربية من البداية ولم تدرجها ضمن قائمة اللغات الإريترية في وثيقتها ( نحن وأهدافنا ) وتعاملت مع اللغة العربية في مجال الإعلام فقط .في ربيع 1989م زرت مع زميلين من المعلمين الأراضي المحررة ومن ضمن الزيارة كانت للمدارس حصة أكبر. ففي معسكر ( عريرب ) زرنا المدرسة التي كان العشرات من الطلاب يتلاقى فيها تعليمهم بالللغة التجرنينة فقط ، وجلسنا مع المدير واستفسرنا عن عدم إدراج اللغة العربية ضمن المناهج فرد المدير أنهم لايجدون المعلمين الذين يدرسونها ، ولديهم معلم واحد فقط ، واضاف بعد التحرير سيكون التعليم على مستوى الوطن باللغة الأم .دخلنا في جدال ونقاش معه في حوار حول ذلك وشرحنا رؤيتنا كتربيون ومعلمين ، ولم نتوصل معه لأي إتفاق , وأستمر التعليم على ذات المنهج في كل المدارس التي كانت تشرف عليها الجبهة الشعبية . في سبتمبر من العام 1991م عقد في مدينة كرن مؤتمرا للإقليم ، وكنت عضوا باللجنة التحضيرية ، وقد كلفت بوضع تقرير عن أوضاع التعليم في الإقليم ماضيا وحاضرا ورؤيتي للمستقبل ، وقد وجد التقرير إستحسانا من قبل المؤتمرين وضيوف المؤتمر ‘ إلا انه ووجه بعنف من قبل بعض المناضلين ومن بينهم الأخوين محمود شريفو وعبدالله جابر فك الله أسرهما .وفي عام 1991م شاركت أيضا في مؤتمر نظمته وزارة التربية والتعليم برئاسة براخي قبرسلاسي وزير التعليم آنذاك ، وسكرتارية حقوس برهاني الرجل المثقف والشجاع وقد دام الإجتماع أربعة أيام ، وفي اليوم الثالث تحدث الوزير بالقول ان الوزارة لاتعترف بشهادات المعاهد الدينية ، وان على القائمين عليها إغلاقها وتوجيه الطلاب للمدارس واضاف سندرس هذا العام بالتجرنية والعام القادم ستكون (التجري ) هي لغة التعليم ، وقد تصديت لهذا الرأي ساردا تاريخ اللغة العربية ودور المعاهد الدينة والمدارس الأهلية ، مقترحا فتح مدارس تدرس باللغة العربية في كل من كرن وحقات لإستقبال طلاب المعاهد الدينية وكذا القادمين من اللجوء ، على ان تلتزم المعاهد بمقررات مناهج وزارة التربية والتعليم ، وقد نفذ الإقتراج بفضل الله والجهود التي بذلها الأستاذ الراحل حقوس برهاني والذي وجدت مقتولا في منزله بعد سنوات من هذه الوقائع .قي عام 1992م أفتتحت الحكومة مدرسة إبتدائية جديدة في مدينة كرن استوعبت حوالي ( 700) طالب وطالبة سُميت بمدرسة الفجر ، كما أتبعتها مدرسة أخرى من ( 20 ) فصلا استوعبت أكثر من ( 1700) طالب وطالبة سُميت بمدرسة النهضة ، وكذا مدرسة الأمل في حقات ، كما إلتزمت المعاهد الدينية بتدريس مقرارات وزارة التربية والتعليم ، بجانب المواد الإسلامية . في عام 1996م عقد في العاصمة اسمرا منتدى لتدارس أوضاع اللغات في إريتريا ، قدت فيه أكثر من ( 40 ) بحثا وورقة من مختصين في اللغات ومعلمين واصحاب شهادات عليا ، وقد أشار البعض لإحتمال إندثار بعض اللغات خلال الـ ( 50 ) عام القادمة ، ومنها لغة البلين ، والغريب في الأمر ان تجبر الحكومة التدريس بي لغات مرشحة للإندثار ! .وقد قدم الأستاذ المرحوم جابر سعد ورقة اللغة العربية ، وقد تناول الحضور الورقة بشديد إهتمام ، وسجل مناضلي الجبهة الشعبية إعتراضاتهم على التدريس باللغة العربية كما فعلوا في مؤتمر إقليم كرن ، وكلهم من المسلمين وهذا يتناقض مع معتقداتهم وثقافتهم بعكس الأخوان المسيحيين الذي ساند الكثير منهم رغباتنا ، كما ترجموا ذلك بالإلتحاق بالمدارس والمعاهد التي تدرس اللغة العربية في الفترات المسائية .وقد تناولت في كتابي ( قبسات من ذاكرة وتراث الوطن ) كوارث التعليم باللغات المحلية ، وطالبت الحكومة الإريترية بإن لا تقف ضد رغبات الشعب الإريتري في تعليم أولاده باللغة العربية .•الاستاذ محمد نور فايد .. يقيم في مدينة ملبورن ـ استراليا . عمل لسنوات طويلة في حقل التعليم في عدد من المدن الإريترية ، ثم مدارس اليونسكو وجهاز التعليم الإريتري في السودان . له كتاب ( قبسات من ذاكرة وتراث الوطن )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى