مقالات

بناء البديل الديمقراطي استحقاق المرحلة . بقلم / ابراهيم قبيل

6-Mar-2017

عدوليس ـ ملبورن

كثيرا ما يدور الحديث حول (البديل) في حالة اذا ما سقط النظام او اسقط او مات الطاغية لأي سبب من الاسباب وهو هاجس يبرز احيانا علنا من خلال نقاشات متفرقة على شبكات التواصل الاجتماعي واغلب الاحيان يكون حبيس الاذهان نظرا لغموض مفهوم البديل لدى الكثيرين كونه يطرح كثيرا من تساؤلات بدلا من اجابات شافيه ولكن حتى يمكننا معالجة الخلل في مفهوم البديل في البداية لابد لنا ان نعيد صياغة الطرح بصورته المتداولة لنرسم صورة واقعية للمشهد الذي شكله هذا المفهوم في بناء الاولويات لدى الكثيرين ويمكن تقسيمهم الى ثلاثة اطراف معنية أكثر بالأمر وهم :لحزب الحاكم. / النُخب . / أحزاب المعارضة.

اولا : الحزب الحاكم :مسالة البديل تطرح نفسها على الحزب الحاكم وكوادره وقواعده كلما مر بأزمات وخلافات داخل الحزب الحاكم وان كانت تحدث ربكة في صفوف الحزب الحاكم فحسب بل حتى في نظام الحكم ككل ولكن كانت قيادة الحزب تعالج الامر في كل مرة عبر معالجات سيكولوجية تعتمد بشكل كبير على عنصر اثارة (المخاوف) أكثر من كونها تطرح اجابات حقيقة على هذا التساؤل وهدفها في ذلك الحفاظ على تماسكها الداخلي وذلك على النحو التالي:في البداية تم العزف على وتر الحفاظ على ]وحدة البلاد الداخلية [عبر التبرير الاتي:ان البلاد تواجه مخاطر (خارجية) يقتضي على الجميع التمسك بالرئيس والالتفاف حوله.في مرحلة تالية : العزف على وتر ]غياب الكفاءة والكاريزما[ التي يتمتع بها اسياس افورقي في صفوفها وبالتالي لا يوجد بديل يماثل (قدرات) اسياس افورقي ليحل محله كبديل قادر على ادارة البلاد.
في المراحل الاخيرة وعندما وضح للجميع فشل سياسات اسياس افورقي الداخلية والخارجية ودخول البلاد في ازمات على كافة الاصعدة فشل في معالجتها فشلا ذريعا وسقط معها مبرر (الكفاءة) المزعومة للرئيس في ادارة البلاد تم ترويج لصورة ذهنية انطباعية على شكل مقارنة او مفاضلة ما بين ]السيئ والأسوأ [وذلك عبر العزف على وتر ضعف المعارضة وكثرة خلافاتها وعدم تمكنها من التهديد الجدي لنظام اسياس افورقي حتى الان رغم ضعف النظام وبالتالي لا يمكنها ان تكون بديلا جديرا يؤتمن عليه في ادارة البلاد!! وبالطبع كل هذا تم عبر الة الدعاية السوداء للحزب الحاكم من خلال اجهزته الامنية وهي المكلفة برصد التفاعلات السلبية التي تشكل خطرا على نظام الحكم سواء كان داخل البلاد او خارجها ومن ثم التصدي لها وهي بدورها استغلت نقطة ضعف في ثقافتنا السياسية تتمثل في تعاطي الجمهور وحتى اغلب النخب الارترية مع القضايا العامة والهامة عبر ] ثقافة الشفاهية[ اكثر من المعالجات الفكرية المكتوبة التي يمكن ان تقدم حلول او اجوبة منطقية لكل الازمات أو الاسئلة الصعبة والتي تساهم في تنمية الوعي المجتمعي وبالتالي الارتقاء بمستوى التعاطي السياسي والثقافي والاجتماعي.مما اعفاه من مهمة تقديم معالجات فكرية منطقية من خلال )مفكري (الحزب الحاكم لكل المعضلات والمشكلات التي تواجهها نظرا لافتقار الحزب الحاكم نفسه مثل هذه الكفاءات الفكرية في صفوفه وهذا يدل على مدى هشاشة البنية الثقافية والفكرية للحزب الحاكم.
النخب :
وصف كلمة النخب اعني بها المثقف الغير منتمي حزبيا حاليا ومهتم بالشأن السياسي ومعارض وهي شريحة كبيره تملك القدرات على تقديم معالجات فكرية أو نقدية مكتوبة وان كان هناك تفاوت في القدرات الا ان مفهوم البديل لديها تم تبنيه ضمن نسق تصورات القوى السياسية ولم يتم معالجته بشكل مستقل وتقديمه للجمهور باعتبار ان هذه المسالة غاية في الاهمية كونها تتعلق بقضية مصيرية وهي ما ستؤول اليه نتائج التغيير هل سيكون تحولا ديمقراطيا يعيد السلطة للشعب كما هو مفترض ؟ ام تحولا يؤدي الى ان يكون البديل هي قوى التغيير نفسها ؟ ]أي تكرار نتيجة معركة التحرير[ أم سيكون تحولا بأي كيفية كانت ؟! و الإجابة على هذه الاسئلة سوف يحدد ملامح مستقبل البلاد ما بعد التغيير وبالتالي الأفق السياسي لعملية التغيير.
وأقول هذا الكلام ليس من باب النقد السلبي لهذه الشريحة المهمة والمستنيرة لإدراكي التام انها قادرة اذا ما رغبت ان تلعب دورا كبيرا في احداث تحول حقيقي في نمو الوعي المجتمعي الايجابي لصالح قضية الديمقراطية وبالتالي السمو بالأداء السياسي للقوى السياسية الارترية بما يتناسب والتحديات التي تواجهها بأفق واسع يمكنها من تقديم حلول وأجوبة موضوعية تقنع الجمهور بقدراتها القيادية الابداعية.
و استطرداً للتوضيح فقد لاحظت من خلال متابعتي ان كتابات او تعليقات كثيرا من النخب في مواقع التواصل الاجتماعي تتبنى موقفا غامضا لا يتناسب بل لا يتلاءم مع كونها من النخبة التي تملك قدرات ثقافيه وعلمية تمكنها من التحليل المنطقي الصحيح الذي يؤدي بها الى نتائج واقعية بدون الوقوع في فخ (المسايرة) حيث لاحظت بروز وجهة نظر متنامية وان كانت ظاهرها يدل على تأكيد حقيقة منطقية تقول ]ان التغيير يأتي من الداخل[ ولكنها لم تجيب على سؤال هام وهو من أي قوى بالداخل وكيف ؟ هل هي من عناصر الحزب الحاكم سواء كانوا عسكر من الجيش او القوة الرديفه لها وهي الاجهزة الامنية المتعددة أم من قيادة الحزب الحاكم وهي الفرضية التي يميل لها اغلب من تبنوا وجهة النظر هذه ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة ما هي الضمانات التي يمكن توفرها لعدم عودة النهج الدكتاتوري القمعي مرة أخرى ويتم من خلاله صناعة ديكتاتور أخر يكرر سيناريو افورقي 25 عاما أخرى من المعاناة و هي نفس القوى التي انحازت للدكتاتور عند بروز عددا من محاولات التغيير داخل النظام نفسه ابرزها محاولتي مجموعة 15 و 21حركة يناير2013م؟ وهل يمكن ان نضمن بصورة قاطعة ان السلطة سوف يتم اعادتها للشعب كما هو مفترض ويعود الجيش الى ثكناته ويتخلى تماما عن أي دور سياسي او سلطة ادارية ويقف في الحياد من العملية السياسية وتحل مليشيات الحزب الحاكم ومنها (حلاوي ثورة) وغيره؟ وهل يتخلى الحزب الحاكم عن مكتسباته السلطوية بسهوله ويسلمها للشعب ويقبل بمبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات كوسيلة وحيدة للوصول الى السلطة ؟ أم سيتم بقبول تكرار نماذج من دول الجوار ان تكون السلطة بيد العسكر والحزب الحاكم مع وجود دور (كومبارس) للقوى السياسة المعارضة لتكون بمثابة ديكور ديمقراطي للنظام الحاكم أي بمعنى اخر نظام المشاركة فيه صوريه لا أكثر ويتم تحييد الشعب؟ وبالتالي المساهمة في انقاذ النظام عبر شرعنته من خلال مشاركتها الصورية تلك ؟ }وهي تجارب فاشلة بامتياز ادخلت بلدانها في ازمات قاسية تئن منها شعوبها بمرارة ولا تقل معاناتهم عن معاناة الشعب الارتري إلا بشكل طفي {وعليه ان الاجابة على هذه الاسئلة التي غفلت عنها هذه الشريحة عند تبنيها وجهة النظر هذه كان يمكن ان يبن لها ان المراهنة على قوى النظام الحاكم لا تمثل خيار أمن يمكن التعويل لأنه ببساطه لن يحقق تطلعات الشعب الارتري في الحرية والديمقراطية وذلك اذا ما وضعنا في الاعتبار أيضا حقيقة أخرى وهي كون ان النظام السياسي والإداري في ارتريا والقائم الان لا يماثل الانظمة التقليدية في الدول التي تحدث فيها انقلابات عسكرية حيث ان هذه الدول تكون المؤسسة العسكرية فيها }احترافية{ غير }مسيسة{ او }مؤدلجة{ كما هو الحال في ارتريا اذ الجيش فيها هو جزءا من اجهزة الحزب الحاكم أي انه مسيس وخاصة قيادته العليا التي جاءت من صفوف كادر الحزب الحاكم وكذلك الامر ينطبق على الاجهزة الامنية وإذا ما اضفنا عامل أخر مهم وهو حجم الفساد المالي والإداري المستشري وسط صفوف ضباط الجيش والأمن.
وحتى لو تم حدوث انقلاب عسكري فهو سيستهدف راس النظام مع بعض اعوانه فقط ولكنه في كل الاحوال لن ينقلب على نفسه أي على منهجه السياسي ولن يتخلى عن مكتسباته المادية والسلطوية بسهولة هذا اذا ما افترضنا امكانية حدوثه بنجاح وتأييد جميع اجهزته وعناصره. وعليه ان تبنيها لمثل هذا التصور ناتج في تقديري عن حالة احباط معنوي لا اكثر نتيجة لما تمر به الساحة السياسية لقوى المعارضة في المرحلة الحالية.
احزاب المعارضة:
صحيح ان الشعارات المرفوعة والأهداف المعلنة سواء كانت متضمنة في برامج الاحزاب او الكتل المنضوية تحتها، توحي بان البديل الديمقراطي هو ما تطمح اليه. فإن الواقع العملي خلاف ذلك ، نظراً لعدم الإكتراث لتحديد ماهية و نوعية البديل. و الاشتراطات التي تتوافر فيه ليكون ديمقراطيا حتى يتحقق في نهاية المطاف الهدف الأساسي، و هو تسليم السلطة للشعب. و أن لا تمنح قوى التغيير مجالاً للسلطة كقوى بديلة بعد بعد اسقاط الدكتاتورية.
و تستحوذ على السلطة بدورها بحق (الفتح) أو سميه بحق (الانتصار) كما فعلت الشعبية بعد التحرير لندخل مرة أخرى في نفق مظلم من دكتاتورية اخرى تحت عنوان مختلف.بالرغم من ان مؤتمر اواسا عدل المسار في الاتجاه الصحيح عندما فرض صيغة الديمقراطية التوافقية التي تضمن مشاركة الجميع دون اقصاء في التمثيل لعضوية المجلس الوطني – احزاب + منظمات مجتمع مدني + ممثلين عن الجماهير في دول العالم + الرعيل + شخصيات وطنية وهي القوى التي شكلت عضوية المؤتمر والاحتكام الى الية الحوار في حل الخلافات. و ليس التغليب وعدم فرض رؤى مسبقة لمستقبل البلاد قبل تسليم السلطة للشعب إلا انه ، و بعد تشكيل المجلس الوطني حدثت انتكاسة أخرى جرفت المجلس عن المسار الصحيح، حيث دخلت القوى المكونة له – لا سيما الاحزاب السياسية – في دوامة الخلافات و الصراعات مما عطل مسيرة المجلس الوطني لمدة ثلاثة اعوام. و ان كان اخيرا ، قد تم الاحتكام الى الية ألحوار. و نأمل ان تنجح في الخروج من الأزمة و العبور الى المؤتمر في وفاق تام بأذن الله بروح “اواسا” .
وفي تقديري ان الخلافات والصراعات التي تحدث من حين لأخر، و أدت لتعطيل مسيرة قوى المعارضة طيلة ربع قرن (25 عاماً)، عائدة لأسباب موضوعية اذا ما ادركنا حقيقة تاريخية وهي ان الثقافة السياسية التي تتحكم في تعاطينا للشأن العام او بالأصح العمل السياسي، هو الفكر الشمولي الذي لا يقبل الرأي الاخر وهو الفكر الذي تغلغل تحت مبرر (ضرورات المرحلة) التي فرضتها طبيعة معركة التحرير منذ ميلاد حركة تحرير ارتريا، و من ثم جبهة التحرير الارترية بحكم ان الهدف الاساسي كان هو تحرير البلاد من المحتل الاجنبي عبر وسيلة الكفاح المسلح. الذي فرض ان يكون العمل السياسي (حشدي) او بمعنى اخر حشد الجماهير والأصدقاء الداعمين لمصلحة الكفاح المسلح وليس عمل سياسي بالمفهوم الديمقراطي الطبيعي(التعددية الحزبية) وان كان هو اطار (جبهوي) بحكم المسمى الا انه لم يكن يسمح فيه بتعدد حزبي او فكري في اطاره لان ذلك كان يتعارض مع (قدسية مبدأ وحدة الهدف والقيادة و وحدة الثورة) وكان ينظر للتعددية الحزبية باعتبارها (ترف فكري ونخبوي) لا يتناسب مع طبيعة مرحلة الثورة.ومن هنا تمكنت المفاهيم الثورية بكل اتجاهاتها و أنماطها وطبيعتها الشمولية، التحكم في مفردات الخطاب السياسي للثورة. و تشكيل هياكلها التنظيمية وضوابطها الداخلية وأسلوبها التعبوي. و عندما حدث تعدد لفصائل الثورة، و الذي لم يكن نتاج صراع فكري/ ايدلوجي بقدر ما هو (انشطاري) سببه الاساس الخلافات على مستوى راسي (قيادي)، هذا التعدد لم يكن اضافة نوعيه يُفرض بحكم تعدد كياناتها السياسية تعددا حزبيا فكريا/ايدلوجيا في اطار جبهوي عريض للثورة الارترية بحيث يكون نواة لنظام ديمقراطي تعددي فيما بعد التحرير والاستقلال. أنما كان – للأسف – مجرد عملية استنساخ للمنهج والفكر والممارسة ذاتها مع اختلاف – فقط – في المسميات والعناوين. و عليه لم يشكل تعدد فصائل الثورة منعطفاً ايجابياً في مسيرة الكفاح المسلح. يدفع في اتجاه اعادة صياغة الثقافة السياسية الارترية وفق المفاهيم والقيم الديمقراطية.
لذا استمر النهج الشمولي في سيطرته على الثقافة السياسية الارترية حتى ما بعد الاستقلال برغم من اختلاف طبيعة المرحلة والتي من المفترض على الاقل ان يتم فيها تغيير الادوات والأطر والهياكل التنظيمية والنظم بحيث تستوعب المفاهيم والقيم الديمقراطية في البناء الحزبي للتنظيمات المعارضة باعتبار ان مبرر صراعها مع السلطة الدكتاتورية هو نضالها من أجل التغيير الديمقراطي.
فإذا كانت هذه صورة واقعية للمشهد، الذي شكله هذا المفهوم في بناء الاولويات لدى القوى المهتمة بالشأن العام فما هو مفهوم البديل الديمقراطي الذي نقصده؟
ان مفهوم البديل الديمقراطي الذي اطرحه لا اقصد منه ان يكون بديلا سلطوي يحل محل النظام الدكتاتوري عقب التغيير المنشود. حيث أن مبدأ من يحكم ما بعد التغيير محسوم وهو ما يقرره الشعب الارتري وحدة . فهو صاحب القرار في تحديد من يحكم البلاد عبر صناديق الاقتراع.ان البديل الديمقراطي، الذي اعنيه ، هو الذي يمثل الطرف الاخر في معادلة القوة في الصراع السياسي الارتري (سلطة دكتاتورية ومعارضة ديمقراطية).
و بما ان المجلس الوطني اطار سياسي تحالفي، عريض يضم القطاع الاوسع للقوى السياسية والجماهيرية و منظمات المجتمع المدني الناشطة في المجال الحقوقي. وشخصيات مستقلة و شخصيات اعتبارية وطنية، و قابل لاستيعاب كل القوى المعارضة خارج مظلته. و بصفته هذه فهو مؤهل ان يمثل الطرف الاخر من معادلة الصراع إلا ان هذا وحده ايضا لا يكفى ليؤهله ان يكون بديلا ديمقراطيا يمكن ان يطمئن اليه الشعب ليكون معبرا عن تطلعاته في الحرية والديمقراطية. وبالتالي يثق فيه ويدعمه و ينخرط معه في معركته ضد الدكتاتورية ، وهو الشرط الاساسي لتحقيق النصر على الدكتاتورية، او ان المجتمع الدولي يتبنى قضاياه ليشكل عامل ضغط على النظام الدكتاتوري وبالتالي يخلق توازنا مطلوبا في معادلة القوة .
اذا ما هو المطلوب حتى يكون بديلا ديمقراطيا؟لتحقيق ذلك يجب ان تتوافر فيه عددا من الشروط التي من شانها ان تساعد في تأهيل المجلس الوطني ليكون بديلا ديمقراطي وهي كالأتي:
من المعروف ان موازين القوة في معادلة الصراع – حالياً – ترجح كفة الحزب الحاكم من حيث الامكانات المادية البحتة بحكم انه يهيمن هيمنة تامة على السلطة والثروة في البلاد وهو يسخرها اصلا في الدفاع عن سلطه الدكتاتورية إلا نقاط الضعف فيه كافيه ان تقضي عليه ايضا، و بالتالي امكانية هزيمته امر ممكن وليس مستحيلا.وعليه ان المجلس الوطني ليس عليه بالضرورة ان يكون قوة موازية للحزب الحاكم من حيث الامكانات المادية بقدر ما عليه ان يثبت للشعب الارتري بالضرورة انه بديلا ديمقراطيا حقيقي. ولذا عليه ان يستوفي الشروط التالية:
1- ارتكاز مطالبه على مرجعية دستورية :
ذلك يعني اعادة تحديث خطابه السياسي الموجه للشعب والمجتمع الدولي بشكل حضاري يتوائم مع منطق العصر ويعطي مصداقية أكثر وقبول اكثر عندما يكون مبني على مرجعية دستورية وطنية. يسند عليها في طرح مطالبه يؤكد فيها من خلال صيغة واضحة ان نضاله ضد النظام الدكتاتوري ليس صراع سلطوي انما الهدف منه اعادة السلطة للشعب ليحدد من يحكم وبالتالي ان مطلبه الرئيس هو استعادة النظام الديمقراطي الدستوري. الذي تأسس عليه الكيان الوطني الارتري عام 1952 والذي ينص فيه الدستور الشرعي في الفصل الثالث ان (نظام الحكم ديمقراطي) الذي صادره المحتل الاجنبي وغيبه الحزب الحاكم وهو يمثل مرجعية دستورية تؤكد على شرعية مطالبنا وذلك باعتبار ان الحقوق الدستورية لا تسقط بالتقادم مثل الاحكام القاضية في الجرائم الجنائية الفردية.
(ومن سخرية القدر ان الشعب الارتري كان يتمتع بالحريات في ظل نظام منقوص السيادة الوطنية من1952 الى 1958م وعندما تحققت السيادة الوطنية الكاملة بعد تضحيات جسام جرد من حريته وعلينا استعادتها).
وعليه ان هذا المنطق الدستوري الحضاري يمكن ان يكسبنا كثيرا من التأييد في المحافل الدولية بالنظر الى طبيعة المؤسسات الدولية التي تتفاعل اكثر مع المطالب ذات المرجعية الدستورية اكثر من القضايا ذات المطالب العامة لاسيما ان القوى المؤثر ة في القرار الدولي في اغلب دولها انظمة ديمقراطية قائمة على اسس دستورية كما أن هذا المنطق الدستوري يبدد أي شكوك حول طبيعة الصراع مع النظام الدكتاتوري ويزيد من ثقة الشعب في مصداقية المجلس.2- ان يتضمن الخطاب السياسي المطلبي حقيقة اساسية يجب طرحها بوضوح وهي ان نظام الحكم القائم لا يستند الى شرعية دستورية، انما يستند الى شرعية القوة المسلحة التي استولى من خلالها على السلطة. وهو امر مخالف للقانون الدولي حيث ينطبق عليه صفة (انقلاب عسكري)، و من ثم يصنف ضمن الانظمة الانقلابية التي يُحظر الاعتراف بشرعيتها و التعامل معها، خصوصاً ان الاتحاد الافريقي، كان اتخذ قرارا بهذا المعني و طبقه على عدد من الانظمة الانقلابية ، و لو تم النجاح في انتزاع مثل هذا القرار، و طبق على النظام الدكتاتوري، فان المجلس يكون قد كسب زخما دوليا وإقليميا كبيراً. و بذلك يكون تأثيره قويا وفعالاً في اضعاف النظام الدكتاتوري داخلياً وخارجيا ، و على الاقل تفعيل هذا الخطاب اعلاميا في وسائل الاعلام المختلفة وفي المحافل الدولية. و سوف يشكل عامل ضغط معنوي وسياسي على النظام الدكتاتوري بحيث يدفعه الى تخفيف قبضة النظام الامنية على الشعب في الداخل.و تقديم مزيد من التنازلات التي ستكون بمثابة كرة الثلج لأن أكثر ما يخافه الحزب الحاكم هو العقوبات الإقليمية والدولية المباشرة و التي تهدد صلب وجوده السلطوي. و هكذا يمثل الخطاب الاعلامي أهم وسائل الضغط الفاعلة و بُحسب عامل قوة للمجلس3- التأكيد على مبدأ الديمقراطية التوافقية و اعتماد ألية الحوار في ادارة المجلس والذي اقره مؤتمر اواسا لضمان مشاركة جميع القوى المكونة للمجلس دون اقصاء. و من ثم الحفاظ على وحدة و تماسك المجلس الوطني. و ضمان تطور تجربته الديمقراطية – وقد عرف المفكر الهولندي “آرنت ليبهارت الديمقراطية التوافقية في كتابه الديمقراطية التوافقية بقوله: أن الديمقراطية التوافقية تعبر عن إستراتيجية في إدارة ألنزاعات من خلال التعاون والوفاق بين مختلف النخب، بدلاً من التنافس واتخاذ القرارات بالأغلبية – وهي بهذا المعنى افضل وسيلة لإدارة المجلس الذي يتكون من فئات متعددة كما ذكرت أعلاه.
4- تطبيق مبدأ الشفافية في اعمال المجلس ومؤسساته بهدف اعادة بناء جسور الثقة بينه وبين الجماهير وذلك عبر تفعيل دور الاجهزة الرقابية الاتية:
أ?- تفعيل دور المراجع المالي للمجلس للتدقيق المالي لأجهزة المجلس التنفيذية وغيرها في الفترة السابقة ويعد تقارير مراجعة مالية دقيقة تعرض للمجلس ويتم على ضوئها بعدها تقريرا اعلاميا للجمهور بما توصل اليه سلبا او ايجابا دون ذكر ارقام او اشخاص بل بشكل عام يوضح فيه سير التعامل مع المال العام في المجلس ويترك اتخاذ الاجراءات المطلوبة للجهة المختصة. مما يعطي مصداقية أكبر للمجلس الوطني من قبل الشعب باعتبار ان لديه شفافية في الاداء المالي وهذا امر هام لبناء جسور الثقة بينه وبين الشعب الارتري .
ب?- تفعيل لجان المجلس خاصة اللجنة القانونية لان غياب دورها ساهم في حدوث كثيرا من التجاوزات وهذه مسالة هاما جدا يجب النظر اليها بجدية لأنها تتعلق بمصداقية قيادة المجلس .ت?- انشاء مركز اعلامي لناطق رسمي باسم المجلس يرفد الجمهور والعالم بأخبار المجلس وما يدور فيه بشفافية سلبا او ايجابا ويجب ان نترك سياسية الغموض والمسايرة ويجب تمليك الحقائق للجمهور بل للشعب الارتري كله لأنه صاحب المصلحة الاولى في التغيير وليس فقط عضوية المجلس .
ث?- السماح بل دعوة لممثلي وسائل الاعلام الكترونية الارترية المستقلة لتغطية اجتماعات وسمنار ات التي يعقدها المجلس دون التعليل بأي مبررات .
5- رفع كفاءة موقعي الرئاستان – رئاسة المجلس + رئاسة المكتب التنفيذي بحيث يؤديا مهامهما بكفاءة واقتدار بما يتناسب مع تطلعات الشعب الارتري وكونه بديل ديمقراطي لا يعني ان تكون اجهزته وقيادته رخوة او مسايرة او مقيدة بل بالعكس يجب ان تكون قوية ولديها من الصلاحيات الكافية ما يمكنها من تنفيذ البرامج وتحقيق الاهداف التي كلفت لتنفيذها من المجلس الوطني مع خضوعها بالطبع لضوابط المحاسبة والشفافية وأول تلك الخطوات هي ازالة البس حول مسالة فصل الصلاحيات والمهام عن طريق ازالة العوائق التي تتسبب في تداخل الصلاحيات بين موقعي رئيس المجلس ورئيس المكتب التنفيذي والتي كان سببا في حدوث اشكالات عطلت تفعيل دورهما في مسيرة المجلس في الدورة الاولى وتكرر الامر مرة أخرى لربما يكون السبب تفسير خاطئ لمبدأ فصل السلطات الذي اقره المؤتمر ولكن كان واضحا ان الطرفين يمارسان دورا تنفيذيا أي ان المجلس له رأسان وهذا لا يستقيم مع المراد من مبدأ فصل السلطات وأناهنا اقترح تعديلا يمكن ان يجيزه المجلس او السنمار القادم او بالأحرى اقتراحين او بديلين يتم اختيار احدهماالاقتراح الاول :
لضمان الانسجام والتوافق المطلوبان لتنفيذ المهام المطلوبة من قيادة المجلس يتم منح رئيس المجلس الحق في اختيار فريق عمله ممن يأنس فيهم الكفاءة في ادارة العمل، وهم: نائب الرئيس ، و سكرتير المجلس، و اختيار رئيس المكتب التنفيذي.حيث يرشح ثلاثة اسماء يوافق المجلس على احدهم ويُسمح لرئيس المكتب التنفيذي باختيار فريق مكتبه في أي حركة تغيير قادمة سواء كان من خلال المؤتمر او السمنار قبل المؤتمر على ان يكون رئيس المجلس رئيسا لحزب او تنظيم سياسي وليس عضوا قيادي اقل بحكم انه مركز القرار في تنظيمه اما موقع رئيس المكتب التنفيذي لا يشترط عليه ان يكون رئيسا لتنظيمه او من تنظيم سياسي والهدف من هذا الاقتراح هو توفير عامل الانسجام لفريق العمل الذي يقود المجلس الوطني في المرحلة القادمة ولكن طبعا يجب التوافق عليها ايضا والمراعاة التي درج عليها في اختيار الشخصين حتى لا يكون هناك تغليب لفئة في مركز القرار.
الاقتراح البديل :ان يكون هناك وضوح تام لصلاحيات الرئاستين بحيث يكون الفصل واضح في طبيعة مهمة كلا منهما على النحو التالي :
1- رئيس المجلس :ان يكون رئيس المجلس رئيسا تشريعا وشرفيا للمجلس الوطني بمعنى ألا يتدخل في عمل المكتب التنفيذي بعد اجازة خطة عمل المكتب التنفيذي من قبل المجلس ألوطني.
2- ان يكون رئيس المكتب التنفيذي المسئول الاول عن ادارة العمل التنفيذي بصلاحيات واضحة دون قيود تحد من قدرته على تنفيذ قرارات المجلس وبرنامج العمل المصدق عليه من المجلس الوطني يرشح هو اسماء اعضاء فريق عمله أي اعضاء المكتب التنفيذي على ان يوازن ما بين الكفاءة والتمثيل التوافقي ويشترط ان يكون رئيسا لحزب او تنظيم وذلك لضرورة تمتعه بخبرة سياسية وتنظيميه لان مجال عمله هو العمل السياسي بالدرجة الاولى وكذلك نائبه وحتى لا تؤثر عليه مرجعية اعلى منه في مركز القرار في تنظيمه ويضعف من قدرته على اداء مهامه هذا امر هام جدا .
2- ضمان استقلالية منصب المراجع المالي :
يجب ان يكون المراجع العام المالي مستقلا عن الجهازين تماما ويكون موقعه الاداري في وزن موقعي رئيس المجلس ورئيس المكتب التنفيذي لوائحيا (قانونيا) حتى لا يتم التأثير على شفافية وحيادية عمله.
4- تفعيل دور رئيس اللجنة القانونية :
يجب ان يكون رئيس اللجنة القانونية مستقلا تماما عن الادارتين ويملك صلاحيات واسعة في مجال عمله وان كان ينتمي الى تنظيم سياسي او منظمة طوعية ممثلين في المجلس عليه تقديم استقالته من منصبه في الحزب الى حين الانتهاء من مهمته حتى لا يكون عليه أي تأثير على احكامه القانونية من أي طرف وضمان عدم محاباة ممثلي تنظيمه في المجلس وذلك لان مهمته هي مراقبة تطبيق القوانين ولوائح المجلس وسلامة الاجراءات المطبقة كما انه يفصل في أي شكوى مقدمة من اجهزة المجلس او نزاع حول صلاحيات على ان تكون احكامه ملزمة للجميع قانونيا حتى لا يتحول خلاف حول (صلاحيات) أي جهة في المجلس الى مشكلة سياسية تعطل مسيرة المجلس كما حدث اخيرا كما انه يمثل الجهة القانونية العليا في تفسير نصوص اللوائح والقوانين التي تحكم عمل المجلس ويكون موقعه في الوزن القانوني لرئيسي المجلس و المكتب التنفيذي ويشترط على من يتولى هذا الموقع ان يكون مؤهلا علميا وخبرة في مجال القانون الدستوري ويحبذ ان يكون حاملا درجة الدكتوراه أو الماجستير ، و له دراسات في هذا المجال. وان لم يوجد يكتفى بان يكون خريج كلية القانون وله خبره. و هذه الكفاءات متوفرة في عضويةالمجلس.
وعليه، اذا تم اتخاذ هذه الخطوات نكون قد ساهمنا في تأهيل المجلس الوطني ليكون بديلا ديمقراطيا.<
* نص الورقة التي تقدم بها الأستاذ إبراهيم قبيل في مجموعة (حوار لوعي مشترك )علي الواتساب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى