مقالات

تأملات في المشهد الإرتري ..الخلاصة المرعبة: منصور عثمان

17-May-2012

المركز

يعد من القول المعاد الإبحار في المشهد الإرتري ، توصيفاً وتقييماً سواء اتجه القول الناقد نحو النظام أو المعارضة فقد سكب في ذلك مداد كثيرة وتناولته أقلام شتى في مشاربها الفكرية واختياراتها السياسية وانضاف إليها أخيراً منابر الحوارات ومنافذ الاتصال، والمتحصل من كل ذلك مما يعد من محكمات الأمور ومعاقد الإجماع : أن الجميع ــ المعارضة ونظام الجبهة الشعبية ــ في مأزق حقيقي بكل ما تعنيه مفردة المأزق من حمولة دلالية وايحاء كارثي ،وأن “التايتنك” الإرترية مبحرة في أمواج متلاطمة واكتنفتها قواصف الريح الهوج ولم يلح في الأفق رسوها بعد على جودي الإستقرار والسلام تلك حقيقة مرعبة بلا تشاؤم تسندها يوميات الواقع والفعل الصادر من المعارضة والنظام فهل الى خروج من سبيل ؟

النقد الهادف :لا جدوى من جلد الذات وإقامة مناحات استسلاماً لليأس والقنوط لكن لابد من نقد الذات بقول عادل ومعيار مستقيم وصولاً للحكم المنصف فالمعارضة قديمها وجديدها، بذلت جهداً ومعيار العدل يأبى أن نبخس الناس جهودهم وان قلّت في نظرنا وربما قام العذر ونحن نلوم، لكن يجب أن يتصوب النظر الفاحص والنقد الهادف الى التفاوت بين الفرص المتاحة والإنجازات المتحققة وقدر التناسب بينهما ،أي الكشف عن :الفرصة المهدرة أو غير المستغلة بما فيه الكفاية والإنجاز الضئيل غير المتناسب مع الفرصة، فالمعايرة تصويباً على هذه الشاكلة من الكشف أقرب للإستقامة المنهجية وأبعد عن جزاف القول وجائر الحكم، ومع تجاوز تعداد الفرص التي أتيحت للمعارضة :مجتمعة أو متفرقة، فإن كثيراً من الفرص انسربت من بين أيديها بلا تحقيق انجاز ، وكماهو معلوم فإن الفرص سوانح عابرة تحتاج الى التقاط سريعٍ ولا يهتبلها الاَ المتمتع بالجاهزية وهي معطى ينتظم :وعيٌ قياديٌ بالظرف واللحظة والحيثيات،تسنده لياقة فكرية وبصيرة نافذة وفاعلية مواكبة وإقدام حازمٌ واجتهادٌ راشدٌ، ومن مهدرات السوانح: البطء القاتل والتلكؤ الخائف والتشاكس المعيق والكيد السيئ والإرتهان لمحطات تأريخية معينة وكثير من هذه الآفات صاحبت المعارضة في جدلها السياسي وفرصها المتاحة وهو باب ـ بحق ـ من أبواب المطاعن على المعارضة ، وجملة القول في النقد الهادف أن يمد أصحاب الأقلام الرصينة ـ وهم كثرـ الساحة المعارضة برؤى سوية وشاملة ذات حمولة واقعية وممكنة الفعل ،وتقديم مسالك ومخارج مما نحن فيه جميعاً فالمسؤلية شاملة رغم تفاوت الأكلاف والمأزق محيط بالجميع.الحدث الكاشف:في العشر الأواخر من ابريل الماضي سرت شائعة موت رأس النظام الحاكم في ارتريا هذه الإشاعة كحدث أربكت الساحة الإرترية المعارضة ولم تستبن الحقيقة لأحد من المعارضة خلال أكثر من اسبوع ،في هذا السياق لا أريد التعرض لمقاصد الإشاعة ومن أطلقها؟ ومن المستفيد منها؟ وهل هي دليل قوة أم ضعف ؟ فقد تناولته أقلام عدة (د/ جلال الدين نموذجاً) لكن السمة التي تسيدت الساحة ـ قبل انكشاف الحقيقةـ غياب الحس النقدي والإنجرار وراء العاطفة والرغبة ، والأكثر غرابة بناء مدن الأحلام على سيقان الأمنيات ، والحلم أمر مشروع وهو نوعٌ من الأمل الفسيح الذي تقوم عليه أركان الدنيا الستة لكن من مشروطيته قيامه على معطى واقعيٍ لا على أعمدة الوهم والسراب، وبجانب غياب الحس النقدي العقلي وعدم معايرة الأخبار على محكات الواقع والانجرار وراء العاطفة ،أشر الحدث وبقوة على المثلث الغائب(المجتمع/الجغرافيا/الزمن) وهذا يجب أن يدفعنا الى التأمل في مثلث التغيير وجميع المعارضة مدعوة الى مراجعة أدواتها ووسائلها ومساراتها، ومطلوب منها وقفة جادة إذ الحوادث الكاشفة منبهات إيقاظ ومؤشرات تقييم وأي حدث يؤخذ منه عبرة وعظة (فاعتبروا يا أولي الأبصار).مثلث التغيير:المتأمل في القرآن الكريم والسيرة النبوية والثورات التغييرية العالمية كخبرة إنسانية ، يتكشف له بوضوحٍ تامٍ أن أيَ فكرةٍ تغييرية كان ينصب جهدها ويتموضع حراكها في أضلاعٍ ثلاثة: المجتمع،الجغرافيا،الزمن ، فالمجتمع ليحضن الفكرة ويحميها ويمدها بالمال والرجال والجغرافيا كمنصة انطلاق وكنف حماية والزمن كعامل استباق لازالة العقبات وتقليل الكلفة وصولاً للهدف المنشود والظفر بالبغية ازالةً للظالم وممارساته وبسطاً للفكرة والتدليل على هذه الثلاثية من القرآن والسيرة والخبرة الإنسانية غير معوز والمقام مقام إشارة لا بسط العبارة ، وحظ أي فكرة تغييرية وقربها أو بعدها من نيل مرادها منوطٌ بمراعاتها لهذه الثلاثية وسعيها في فلكها وأيٌ فقدانٍ لأحد الأضلاع يؤشر على بعد المسافة وتطاول نيل المراد، وإذا عطفنا القول سؤالاً للمعارضة كم تملك من هذه الثلاثية ؟ أجاب واقع الحال بلا ترددٍ لا شيئ ودليل الحال يصدق ذلك تعليلاً وكشفاً فالتناوش مازال من مكانٍ بعيدٍ والظهر مكشوفٌ من الحامي والحاضن الاَمن مجتمع الغربة والزمن مهدر في هوامش الأمور تمديداً لأمد المعاناة مما يتنافى مع المسؤلية الأخلاقية والرسالة النبيلة ، وقد يكون الحكم قاسياً إذا قايسنا واقع المعارضة وحاكمناه بمثلث التغيير مع إغفال سياسات نظام الجبهة ثورة ثم دولة لكن من الحكمة القسوة التي تعقب الإزدجار والمراجعة ، ومن جائر الحكم القول: أن المعارضة لم تفعل شيئاً فالممانعة مستمرة والكفاحية سارية والجهد موصول ومشكور ، لكن دلائل الحال تقول: كل تلك الجهود بعيدة عن مكامن التأثير لذا فالمراجعة واجبة والرضى بالموجود دليل عجز، والمقاصد العليا لا تنال بالهوينى وفاز باللذات الجسور،فالنظر الصائب والتدبير الراشد وابتدار الحلول والبحث عن مسالك للخروج من المأزق والشتات هو واجب الوقت وفرضٌ على الجميع اللهم نسألك سداداً في الأقوال ورشداً في الأفعال وتغييراً في الأحوال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى