مقالات

العدالة الانتقالية كوسيلة نضالية : عبدالرحمن السيد

6-Jun-2009

المركز

هذا المقال هو اضافة جديدة الى مقالاتي الأخيرة (المنهج الآمن و دعوة الى وقفة مسؤولة), أحاول من خلاله اثراء ساحة الحوار, أتناول فيه فكرة “العدالة الانتقالية” وربطها بأهمية تقوية وسائل وآليات التغيير السياسي.

منذ بضعة أعوام دأبت قوى المعارضة المدنية والسياسية الارترية في لندن وعبر لجنتها التنسيقية اقامت مناسبات وطنية مشتركة تجمع الارتريين من شتى الانتماءات التنظيمية والأفراد المستقلين. وفي 24 من شهر مايو المنصرم نظمت اللجنة المشتركة لقوى المعارضة (بشقيها السياسي والمدني) احتفالا جماهيريا يليق بذكرى استقلال ارتريا. تميز احتفال هذا العام بالمحاضرات التي قدمها حقوقيون ونشطاء المعارضة من أمثال السيد شوقي محمد أحمد (عضو مجلس شورى للحزب الاسلامي للعدالة والتنمية), والناشطة الحقوقية المعروفة السيدة سلام كيداني والباحث المتخصص في العدالة الانتقالية وقانون حقوق الانسان الدولي الدكتور دانيال رزني والذي قدم محاضرة قيمة بعنوان “أهمية العدالة الانتقالية في ارتريا” والتي نالت استحسان عدد كبير من الحضور, هذا بالاضافة الى الأغاني والرقصات الفولكلورية. محاضرة د. دانيال[i], وهي موضوع هذا المقال كمادة, كانت اضافة جميلة ومادة مفيدة أثارت اهتمام الحضور وتفاعلهم. أستهل الدكتور محاضرته بتعريف موجز للعدالة الانتقالية والظروف التي يتم اسقاطها فيه. كما يشير الاسم, العدالة الانتقالية يتم التعامل بها في ظروف الانتقال من الدكتاتورية الى الدمقراطية أو من الحرب الأهلية الى السلم الأهلي, بمعنى اّخر انه نظام عدالة يتم استخدامه في المراحل والظروف الانتقالية التي تمر بها الدول. من المعروف في ظروف الحرب الأهلية أو سلطة الديكتاتورية الاستبدادية تغيب سلطة العدالة والقانون وينتج عن هذا الغياب تراكم لجرائم ترتكب من قبل الجماعات المتصارعة في حالة الحرب الأهلية أو من قبل الحزب الحاكم (كالهقدف مثلا) في حالة الديكتاتورية. فعند وصول المجتمع والدولة الى بر الأمان و العدالة – وهذا أمر محتم انشاء الله – تجد الدولة نفسها أمام جرائم بشعة ارتكبت بحق الأبرياء والمظلومين عبر فترات زمنية طويلة ومن قبل أفراد وجماعات عديدة مما ينتج عنه تحدى جاد لسلطة المرحلة الانتقالية الحساسة. فهنا ينكشف المستور – وهو أعظم – ويعرف الحجم الحقيقي للجرائم والمتورطون في ارتكابها وتكون الدولة أمام خيارين أحلاهما مر: اما ان تحاكم المجرمين كل حسب ما اقترفت يداه من جرم واما ان تصدر الدولة العفو العام مقابل اعتراف المجرمين بجرائمهم وارشاد الدولة الى أماكن المفقودين حتى يلتئم جراح ذويهم وطي صفحة الاعتقالات التعصفية والاختطافات المنظمة. قد يسأل سائل لماذا “أحلاهما مر”, ما هو “المر” في معاقبة المجرمين كلهم ولكل الجرائم التي ارتكبوها؟ الإجابة هي ان اتباع مجريات العدالة والقانون يتطلب الى وجود كفاءات ومؤسسات عدالة فاعلة وهذه المؤسسات تكون معدومة في ظل الديكتاتورية الاستبدادية والحروب الأهلية, ولهذا السبب تتسم المرحلة الانتقالية بفقدان المؤسسات والامكانات لمتابعة مجريات التحقيق والتوثيق في جرائم ارتكبت بشكل منظم وعبر فترات زمنية طويلة ومن قبل أفراد قد يفوق عددهم الألاف وقد تختلف نوعية مشاركة المجرم من آخر والجريمة من اخرى الخ مما يثقل كاهل المجتمع والسلطة الانتقالية, بل قد يهدد المرحلة الانتقالية اذا تمترس المجرمون خلف امكاناتهم التنظيمية أو انتماءاتهم الاجتماعية والمناطقية. وهذا الأمر يقود أهل الحل والعقد الى اتخاذ القرارات المره لدرء المفاسد الكبرى كانهيار الدولة بأثرها وتفككها الى دويلات متناحرة بين أمراء حرب يرتكب فيها مزيدا من الجرائم كالتطهير العرقي والقتل على الهوية والمعتقد الخ. فالبحث عن الحل لمثل هذه العقد وكيفية اسقاط العدالة في المراحل الانتقالية هو الذي يعرف بالعدالة الانتقالية. وحسب ما فهمته من محاضرة د. دانيال هناك مرونة في التعامل مع العدالة الانتقالية، وهذه المرونة تسمح بمحاكمة “عدد محدود من المجرمين المعروفين وذوي المواقع القيادية والقرار, واعلان المصالحة العامة, وتعويض المتضررين من الجرائم”. العفو العام هنا قد يشمل كل الذين تورطوا في الجرم انفاذا لقرارات فوقية من القادة وأصحاب القرار الحقيقيين, اما التعويض يعني المتضررين الذين فقدو ذويهم وأراضيهم و أملاكهم وهذا لا يتحقق الا بمشاركة المتضررين في مجريات العدالة الانتقالية وتوافقهم مع معطياتها ورضاهم عن نتائجها. أهمية العدالة الانتقالية أهمية العدالة الانتقالية تكمن في كونها الوسيلة الناجعة لاخراج المجتمع والدولة من مرحلة الاستبداد والاضطرابات الى الاستقرار والعدالة من خلال طي صفحة الماضي الأليم بدلا من الاستمرار في صراع مستديم في مطاردة عناصر الاجرام الكثيرة الأمر الذي قد ينتج عنه مزيد من الجرائم والإنتهاكات لحقوق الانسان بأبشع صوره.حسب ما ورد في محاضرة د. دانيا هناك نوعان من العدالة الانتقالية وهما:-1. العدالة الجزائيةRetributive Justice هذا النوع من “العدالة الانتقالية” يتم ممارسته في حالة الانتصار الحاسم على الدكتاتورية, وكمثال تم ذكر هذيمة الدرق على يد قوات الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والجبهة الشعبية الدمقراطية الثورية الاثيوبية (اهودك) في عام 1991. هنا وفور سيطرة القوات المنتصرة على زمام الأمور تم اعتقال المطلوبين. في الحالة الأثيوبية تم اصدار قرار لمحاكمة عناصر النظام السابق – الدرق – وكان أقارب ومحامو الدفاع يعرفون بأماكن اعتقال ذويهم المعتقلين, كما تم تقديم المشتبه بهم الى المحاكم امام الرأي العام, وهذه التجربة للعدالة الانتقالية تعتبر من أنجح التجارب في تأريخ أثيوبيا بل وفي القارة الافريقية اذا ما قورنت بتجارب مماثلة التي فشلت في العبور عبر المرحلة الانتقالية كالصومال وسيراليون وجمهورية كونغو الديمقراطية (زائير). أما في التجربة الارترية فالأمر كان مختلفا حيث لم نسمع عن محاكمة معلنة ولا عن عدد المعتقلين ونوعية التهم الموجهة ضدهم. البعض تم اطلاق سراحه بعد قضاء فترة من الزمن في معتقلات النظام الارتري والبعض الآخر تم تصفيته أو وافته المنية وهو في المعتقل أو لا يزال رهن الاعتقال حتى يومنا هذا. وبهذه المناسبة يجب التذكير بمصير ارتريين تم اعتقالهم عام 1991 وحتى الآن لا يعرف مصيرهم, على سبيل المثال لا الحصر: السيد حسين قبرشو والشوم صالح و آخرون كثر, منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر يوم الفرج.التجربة الاثيوبية في ممارسة العدالة الجزائية كانت ناجحة وذكية في حين ان التجربة الارترية في هذا المجال كانت فاشلة بكل معايير العدالة كما كانت مؤشر خطير لما آلت اليه أوضاع البلاد منذ العام 1991. 2. العدالة التصالحية Restorative Justiceالنوع الآخر من العدالة الانتقالية هو ما يعرف بـ “العدالة التصالحية” وهذا يمارس حين يتم التوصل لاتفاق والتوافق بين النظام المستبد و قوى المعارضة لتسليم السلطة لممثلي الشعب مقابل عفو عام ومصالحة عامة تضمن بعدم تقديم عناصر النظام الى المحاكم. التجربة الناجحة في هذا المجال هي تجربة جنوب افريقيا حيث لم يكن بمقدور الحزب الوطني الافريقي حسم المعركة مع النظام العنصري وتطبيق العدالة الجزائية بحقهم فركنوا الى التفاوض وقبول شروط النظام العنصري الأساسية وهي الضمان بعدم محاكمة عناصر نظام الفصل العنصري (الأبرتايد) للجرائم التي اقترفوها ابان حكمهم مقابل تسليمهم السلطة لممثلي الشعب. بالاضافة الى هذا تم تكوين مفوضية عرفت بـ “مفوضية الحقيقة والمصالحة” – Truth and Reconciliation Commission – برئاسة القس ديذموند توتو للاستماع الى اعترافات المجرمين العنصريين وشكاوى المتضررين والاشراف على أمر تعويضاتهم الخ. وجلسات هذه المفوضية كانت شبيهة بجلسات المحاكم حيث كان يحضرها كل من المدعى عليهم والمتضررين وأعضاء المفوضية (مكان القضاة).أنني أرى هذا النموذج هو الأفضل للقضية الارترية للأسباب الأتية:-أولا: حزب الهقدف هو امتداد لمرحلة الثورة التحررية ويحمل في طياته كل الضغائن والأحقاد التي نتجت عن الصراعات بين تنظيمات التحرر الوطني ابان فترة النضال 1961-1991. هذا يعني أمر المصالحة الوطنية والعدالة التصالحية كان من المفترض ان يحصل في عام 1991 ولكن تعنت الشعبية حال دون حصول ذلك. لذا اقامة دولة ارتريا الحديثة متوقف عند هذه النقطة ولا مفر الا البداية منها – المصالحة العامة. ثانيا: حزب الهقدف يعتبر التنظيم الأقوى ويتمتع بتجربة نضالية طويلة أثبت فيها امكانية عالية في ادارة الصراع العسكري والسياسي ابان فترة التحرر الوطني, و18 سنة من السيطرة التامة بزمام الأمور في ارتريا, وتربى جيل كامل في ظل هذا الوضع الغير الشرعي والعسكريتاري. وللهقدف قاعدة واسعة تقدر بعشرات الالاف وأعداد كبيرة ممن تورطوا في جرائم النظام او ارتبطت مصالح الكثيرين منهم ارتباطاً عضويا بالهقدف. لهذا أمر الدعوات لاسقاط الهقدف واخراجهم من حلبة السياسة الارترية بالكرت الأحمر قد يترتب عليه مخاطر قد تطيل من عمر معاناة الشعب. فاختصاراً لمعاناة شعبنا الذي يعاني من بطش واستبداد النظام والمجاعة, المصالحة والعدالة التصالحية هما الخياران الأفضل مع ترك الخيار الثاني مفتوحا في حالة تعثر ارغام الهقدف على التنازلات المتبادلة من أجل المصلحة العامة.ثالثا: العدالة التصالحية تعطي الارتريين الفرصة لطي صفحات الماضي الأليم والبدء بفتح صفحة جديدة والاستفادة من امكانات الهقدف العسكرية والامنية والادارية والمالية بعد ان يتم تحويلها الى المصلحة الوطنية العامة. فالدول التي تنهار فيها كل مؤسسات الأنظمة الشمولية الحاكمة تكون عرضة لمخاطر الاقتتال البيني والتدخل الخارجي ولنا أمثلة حية لما آلت اليه الأوضاع في جمهورية الكونغو كينشاسا والصومال والعراق عندما تم حل الأحزاب الشمولية التي حكمت هذه البلاد فنتج عنه فراغ كبير في الأمن والسلطة مما جعل الحكومات الجديدة تعيش في حصار داخل العواصم تاركة باقي مناطق البلاد خارج سلطة المركز. نضالات نموذجيةهناك أسئلة وتعليقات وردت من الحضور في احتفال لندن بذكرى الاستقلال كانت تتمحور حول “كيف ومتى يمكن ممارسة العدالة الانتقالية”, “الا يجدر بنا التركيز على الوسائل الكفيلة باسقاط النظام بدلا من الحديث عن العدالة الانتقالية ونحن لم نصل بعد الى تلك المرحلة الانتقالية”. وفي مجمل رد الدكتور دانيال على هذه الأسئلة كان منسجما مع قناعاته الشخصية وعمله كناشط في صفوف سدري حيث أجاب قائلا: “اهمية الحديث ونشر الوعي بالعدالة الانتقالية في هذا الظرف تكمن في تجهيز المجتمع وقواه الفاعلة لكل الاحتمالات, فلا أحد يعرف يقينا كيف ومتى سيسقط نظام الهقدف, وان كان زواله أمر محتم, وقد ينهار لسبب وآخر دون سابق انظار, ولهذا فالتهيئ لكل الاحتمالات ضرورة وواجب. الأمر الثاني, العدالة الانتقالية هي علم حديث ولا زال في طور البحث والتطوير ويمكن ان يمارس حتى قبل الوصول الى المرحلة الانتقالية ومن خلال القانون الدولي لحقوق الانسان وغيرها من الوسائل القانونية المتاحة امامنا” وكمثال لممارسة العدالة قبل المرحلة الانتقالية تحدث د. دانيال عن محاولات كل من السيدة إلسا شروم والأستاذ صالح جوهر (قاضي) لمقاضاة عناصر الهقدف في الخارج. السيدة إلسا حاولت مقاضاة نايزقي كفلو كمتهم بارتكاب جرائم عندما كان في موقع قيادي في نظام الهقدف, وهو بالفعل أحد العناصر القيادية في الشعبية ما قبل وبعد 1991. استغلت السيدة إلسا تواجد نايزقي في المملكة المتحدة لتقديمه الى المحاكم البريطانية, وحسب ما سمعته عن هذا الأمر ان عناصر الأدلة وبالتحديد عنصر الشاهد لم تكتمل لاثبات الجريمة على المتهم لينال عقابه. أما في قضية السيد صالح قاضي فالأمر يختلف بعض الشئ حيث رفع شكوى مباشرة ضد السيدة سوفيا تسفامريام في قضية التشهير به والشاهد الأساسي في القضية كان السيد قاضي نفسه, ولكن المحكمة الأمريكية التي تم تقديم الشكوى اليها كانت في ولاية غير الولاية التي تسكن فيها السيدة تسفامريام وبالتالي توقف الأمر عند هذا الحد حتى يقرر صالح قاضي ما اذا كان يريد رفع دعوى أخرى وفق شروط الولايات الأمريكية في شأن القضاء. ما يهمنا في هذه المبادرات الفردية هو ليس مجرد نجاح وعدم نجاح الشكاوى وانما رمزية النضال القانوني الذي خاضاه كل من إلسا شروم و صالح جوهر (قاضي), وهي سوابق يجب ان يحتذى بها في مواصلة النضال من أجل العدالة والديمقراطية. هناك ايضا عنصر نضالي آخر وهو استغلال المحافل الاقليمية والدولية لتقديم الشكاوى بحق النظام وعناصره المعروفة. هنا يمكن ذكر تجربتين أولهما للسيد موسي إفريم والسيد سايمون مبرهتو[ii] حيث قام كل على حدى بتقديم شكاوى ضد نظام الهقدف لدى مفوضية الاتحاد الأفريقي لحقوق الانسان والشعوب, والأخرى كانت للسيدان داويت مسفن وهبتوم يوهانس[iii] حيث رفعا الدعوى على النظام الى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة مما اضطر النظام للرد على خطاب المجلس بخطاب رسمي يتحمل فيه المسؤلية عن اعتقال قادة ما يعرف بـ مجموعة ال 15 واعطاء تبرير مفصل للأسباب التي حالت دون تقديمهم الى المحاكمة الخ. وهنا لا بأس من التلميح بأن لمنظمة سدري عمل جاري في هذا المجال بالتعاون مع بعض منظمات المجتمع المدني الارترية وسوف يتم الاعلان عنه في الوقت المناسب.هذه السوابق النموذجية والايجابية نحتاج البناء عليها من خلال العمل الدؤوب لتقديم عناصر النظام المعروفة في تورطها في الجرائم الى المحاكم المحلية (بلجيكا, بريطانيا كمثال) والاقليمية (افريقيا أوروبا الخ) والدولية (كالمحاكم الدولية الخاصة – بـ سيراليون, بـ لبنان كمثال – ومحكمة الجنايات الدولية الخ). بطبيعة الحال النضال القانوني مكلف من الناحية المادية والزمنية ويتطلب تنظيم قوي ودقيق يستطيع جمع الوثائق والشهود بغرض رفع الدعوات على الهقدف واستحضار الاعلام لابراز القضايا المرفوعة والمظالم التي يعانيها المواطن. وبهذه المناسبة أدعو كل الناشطين وخريجي كليات الشريعة والحقوق للتعاون والعمل في جمع وتوثيق كل الجرائم السياسية التي ترتكب بحق شعبنا حتى لا تضيع الحقوق ويفلت المجرمون من العدالة والمحاسبة.أهمية المعارضة القوية بطرحها وخطابها وتماسكها وعملها من الطبيعي ان نحتاج الى معارضة قوية تقف امام الهقدف وترغمهم على التفاوض لتسليم السلطة الى ممثلي الشعب الشرعيين وتمارس “العدالة التصالحية” بحق الهقدفييت وغيرهم من المتهمين بارتكاب جرائم سياسية أو تهزمُ الهقدف بقوة الجماهير وانحياز عناصر الجيش اليها وفي هذا يكون الخيار مفتوح امام الشعب وقواه في اختيار ممارسة “العدالة الجزائية” على حدة أو ممزوجة بـ “العدالة التصالحية”, بمعنى آخر معاقبة قيادات الهقدف المتنفذة واصدار العفو العام بحق صغار الموظفين الحزبيين الغير المتنفذين. القوى الاساسية لأي معارضة هي التفاف الجماهير حولها وهذا لا يحصل الا من خلال تبني خطاب تجميعي يعبر عن متطلبات المرحلة في التغيير نحو نظام دستوري ديمقراطي يحترم حقوق الانسان وتنوع مكونات المجتمع الارتري. وفي هذا السياق لا مانع من الاشادة الحذرة للخطوات الوحدوية بين بعض تنظيمات المعارضة, وهذه الخطوات تعتبر مؤشرات إيجابية بشرط ان يتم حصر الأهداف في النقاط التي توصل الى المرحلة الانتقالية “كتغيير النظام” و “اقامة دولة العدالة والدستور” وهي محل اجماع الجميع, وترك التفاصيل عن نوعية نظام الحكم فيها لمرحلة النقاش حول دستور الدولة. لأن فقرات الدستور هي التي ستحدد صلاحيات مؤسسات الدولة وما اذا كان نظام الحكم فيها هو فيدرالي ام غير فيدرالي, مركزي ام لا مركزي, رئاسي ام برلماني الخ. هذه الخيارات يمكن دراستها وتقديمها كمقترحات علمية وأكاديمية في الندوات الحوارية قبل وبعد وفي ظل المرحلة الانتقالية. أما اسقاطها كجزء من البرامج “السياسية والتنظيمية” للأحزاب والجماعات لا يساعد في لم الشمل, بل يسئ للخيارات نفسها حيث يتم تفسيرها على انها أجندة لفيئة أو جماعة دون أخرى، ويصد باب الحوار والتوافق حولها. هذا بالاضافة الى أهمية ترك مجال البحث والحوار مفتوح في مثل هذه الأمور يساعد على ابتكار اّليات الحكم التي تتناسب مع خصوصية بلادنا وتطلعاتها. الأمر الآخر, وهو لا يقل أهمية, هو الحد – قدر الامكان – من الشخصيات الفاقدة للكاريزمة والمصداقية والتي لا تحظى بالقبول لدي الجماهير. فالشخصيات تلعب دورا مهماً ومؤثرا جدا في انجاح او افشال اي مشروع، ولذلك أخذ هذا الأمر في الاعتبار هو ضرورة لابد منها من أجل المصلحة العامة.ولطالما انني أخاطب هنا “قبيلة المسلمين الارتريين” (اذا جاز لي استعارة التعبير الذي ورد في مقال الأستاذ زين العابدين شوكاي) يهمني ان أضيف رأيي في المولود الجديد : جبهة التضامن. لا شك ان نشر ثقافة التضامن والتكافل والتعاون والتكامل والعمل بهم هو ايجابي ومفيد, ولكن تطوير اليات العمل من أجل التغيير السياسي في ارتريا يتطلب أكثر من مجرد “تضامن” بين التنظيمات والجماعات. هناك حاجة ماسة للنهوض بالمجتمع الاسلامي الارتري وبالذات في ظل غياب دولة تخطط لنهضتهم, وللحركات الاسلامية في عالمنا الاسلامي الكبير دور بارز في النهضة بالمهمشين من خلال رعاية اجتماعية وجعل الأعمال التربوية والصحية والتكافل الاجتماعي من صميم أولوياتها. هكذا أصبحت حركات الإخوان وحزب الله مغروسة في وجدان المجتمعات التي تنشط في أوساطها ورقماً يصعب تجاوزه في كل المعادلات السياسية وغير السياسية. فنهضة مسلمي ارتريا يجب ان يكون الشغل الشاغل لحركاتنا الاسلامية من خلال استثمار امكاناتها في المشاريع التربوية والصحية والاقتصادية والقيام بنشاطات مطلبية الخاصة بمسلمي ارتريا وفي هذا ستجد الكل يتضامن ويتكاتف معها. اما جبهة التحرير فعليها أيضا المسؤلية ان تقترب وتتصالح مع الجبهات التي تفرعت منها تمهيدا للمصالحة الكبرى وان ترفع مطالب فئات المجتمع المختلفة داخل المركز وان تكون في مقدمة التنظيم الرائد الذي يمكن ان ينتج عنه التصالح و الوحدة الاندماجية بين تنظيمات: الانقاذ وحزب الشعب و الحزب الدمقراطي. وأخيرا, المطالبة بالعدالة والديمقراطية يتطلبان الوعي بهما وممارستهم في نضالاتنا اليومية. وهذا يعني ان نحترم خيارات بعضنا البعض, وان لا تكون هناك حواجز في التعاطي مع أخطاء الماضي والحاضر في سبيل أخذ العبر منهم والتقدم نحو الامام. وحتى لا تتكرر وتتراكم الأخطاء علينا بتنقية وسائلنا النضالية وخطابنا السياسي ونعلم ان العدالة ودولة القانون لا يتأتيان بالتمني والشعارات, وانما بالتفكير المتأني والعمل الدؤوب. ولنتذكر دائماً أننا مسؤلون امام الله والعدالة عن كل تصرفاتنا كتابة وقولا وعملا. والله ولي التوفيق!Bohashem@arkokabay.comملحوظة: للاطلاع على محاضرة الدكتور دانيال رزني أنقر هنا. (المحاضرة مكتوبة بالتجرنية)لي مقال في القوانين الدولية المتعلقة بجرائم الحرب وجرائم بحق الانسانية حاولت ربطهم ومقارنتهم بما يجري في بلادنا. المقال مكتوب بالانجليزية ونشر لأول مرة في المواقع: عواتي وعركوكباي في يوليو 2007. يمكنم الاطلاع على المقال من خلال هذا الرابط. ——————————————————————————– [i] د. دانيال رزني هو شاب ارتري في العقد الثالث من العمر, حاصل على الدكتوراة في القانون من جامعة بجنوب ارفريقيا والأن يعمل في جامعة أخرى في بلجيكا كباحث في دراسات ما بعد الدكتوراة في القانون الدولي لخقوق الانسان, وهو عضو مؤسس لمنظمة ارتريون من أجل حقوق الانسان والديمقراية ومقرها جنوب ارفريقيا كما هو عضو مؤسس في منظمة سدري ولجنتها الفرعية للمتابعة القانونية. [ii] سايمون مبرهتو هو شاب في منتصف العشرينيات من العمر, خرج من أسمرا عام 2006 لمواصلة دراسته في القانون ونال درجة الماجستير في القانون في جنوب افريقيا وعمل كمتدرب في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بهولندا, وهو عضو مؤسس في منظمة سدري وسكرتير لجنتها التنفيذية ولجنتها الفرعية للمتابعة القانونية.[iii] السيد هابتوم يوهنس هو صحفي وله مساهمات عديدة في الدعوة للحل السلمي للنزاع الحدودي بين ارتريا وأثيوبيا, وهو عضو مؤسس في سدري وعضو لجنتها التنفيذية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى